Middle East Watch
La revue de presse alternative pour un Moyen Orient libre
© تموز (يوليو) 2022
"قول يا طير"
٢٠٠٧/٣/١٤
الأربعاء 24 صفر 1428, بقلم
كل اصدارات هذا المقال:
مر عابراً وسريعاً ولكن كفهقة برقٍ. كان ذلك خبراً في إذاعة الإحتلال مفاده:
"قامت قوات جيش الدفاع بتدريب حي على الإنزال المظلي في قريتين فلسطينيتين في منطقة يهودا والسامرة (اي الضفة الغربية ع.س)، وهناك مسائلة بشأن تأثير ذلك على السكان".
خبر، تمنى التطبيعيون والمقتتلون على الوزارات وفيالق "الأنجزة" أن لا يكون قد ذُكر. لا شك انهم يقولون، "حبذا لو يراقب شريك السلام ما يُلحقه بنا من ضرر من "ديمقراطيته" فيتركها لنفسه.
ولكن، هو شريك سلام برأيهم وحدهم. أما برأيه فشريكه هي الطبقات الحاكمة في الدول الحقيقية الداعمة له، أميركا، الإتحاد الأوروبي وكثرة من القطريات العربية.
أما القوى السياسية الأخرى، التي تتعطش لوزارة هنا وأخرى هناك، فمشغولة بهموم الوظائف وتدبير فواتير هواتف المكاتب من مكتب رئيس السلطة الذي حلت ميزانيته بقدرة قادر محل الحكومة. والطريف أن من حوله يقولون بملىء الفم: "والله لولا الرئيس لكان الحصار أقسى". لا يا سادة، لو رفض الرئيس استقبال صدقات الغرب والكيان لكانت قصة الحصار قد وجدت حلاً آخر، إما عودة "الصدقات" أو حل السلطة وعودة صورة الصراع جلية نظيفة على الطبيعة.
وعودة إلى الخبر، "فشريك السلام" يتدرب على محاربة مواطني شريكه، بالطائرات والأسلحة الحية، ولا أحد يقول كلمة أو يحتج على ترويع الأطفال والنساء الحوامل وحتى الرجال الأشداء. هل من السهولة بمكان أن تقفز من فراشك القروي الخشن على صوت الطائرات وقنابلها وهي تنفجر فوق راسك؟ كل هذا لتدريب "جيش الدفاع الإسرائيلي" جيش الدفاع عنَّا!". وتحضرك هنا ملاحظتان:
الأولى: إذا كان تدريب هذا الجيش متواصلاً إلى هذا الحد، فهل حقاً لم يكن متدرباً حينما هاجم لبنان يوم 12 تموز من العام الماضي كما يقول جنرالاته! سواء صح هذا أم ذاك، فالمهم أننا نحن "فأر التجارب" ليس لطائرات الإحتلال، بل لطائرات الفساد والنهب المحلي ايضاً.
والثانية: في شهر تموز عام ١٩٧٠، كنا في معتقل بئر السبع الصحراوي، معتقل واسع باتساع الصحراء ورمالها، ولا صحراء بلا رمالها، أو باتساع الصحراء البيضاء في كندا مثلاً، كان في الغرفة الواحدة ما لا يقل عن مئة معتقل. وذات ليلة، هب الجميع من الفراش الوثير هناك، فراش لا اقرب منه إلى الأرض حتى الورقة الرقيقة التي وضعها طلبة ابي العلاء المعري تحت حصيرته ليختبروا رهافة حس "مؤخرته" فنجح في الإختبار. رشاشات تنطلق أفواهها بغزارة نارية ابلغ من مديح شعرائنا لحكامهم، وقنابل تتفرقع خلف جدران بركسات المعتقل وكأنها داخل البركسات نفسها.
موقف بين الجزع والهلع والحزن والطرافة. فأي اختلاط! كبار السن أصابهم هلع يُتم أولادهم ونسائهم، صغار السن شعروا أن حكمهم هو الإعدام. لكن البعض التقط الموقف: "لا يا جماعة...هذا تدريب" كنت أحدهم. ولم تكن هذه بطولة بالطبع. كما لم تكن تقليلاً من جاهزية العدو لارتكاب مذابح، فقد فعلها مرات عديدة، وهو ما أقر به المؤرخ الصهيوني المتجدد "بني موريس" لكن تلك المذابح كانت في سياق خطة. فهي ليست كمذابح الأنظمة العربية للشعب، مذابح بالمجان، وبانواع والوان! فهذا العدو يعرف أن وفاة معتقل واحد ستكلفة الكثير في كشف فوجهه للعالم وهو الحساس جداً لصورته وللخيال الذي غرسه عن نفسه في المخيال الأممي!. ألم تعترف به كل الأمم!
منعت إما وزارة التربية والتعليم، أو أحدى إداراتها كتاب: "قول يا طير" لخبيرين في التراث والأنثروبولوجيا وأعتقد في اللغات كذلك. وهو منع قد يصل ذات يوم لمحاكمة الكاتبين.
ولم يتضح بعد إن كان وزير التربية والتعليم هو الذي قرر ذلك أم لا. وليس هذا المهم في الأمر. فما ورد في الكتاب، علاوة على كونه جزءاً من تراث عتيق قِدَم هذه الحضارة، هي مفردات مستخدمة في الحياة اليومية، إن لم يقلها الأولاد في الصف المدرسي يقولونها في الشارع او في الملعب.
كان ذلك خطئاً. وكان يفتقر إلى التكتيك ايضاً. فهو ليس ضيقاً بما لا يجب أن نضيق به وحسب، بل هو فقر في التعامل مع المرحلة.
برأينا، فإن حركة حماس لم تحكم. فطالما ألأموال بيد الرئيس، فمن يحكم هي الحكومة السابقة ومن يمولونها. أصرت حماس على عدم الإعتراف، وللتكتيك ، كما نعتقد، علّقت الكفاح المسلح، مما عرّضها لمزايدات ممن ألغوا الميثاق، وممن أعترفوا بالكيان.
وفي حين لم تحكم حماس سياسياً ومالياً قفزت لتحكم اجتماعياً وثقافياً فسقطت في فخ كان الكثير بانتظاره! فبدون منع كتاب "قول يا طير، كيف يمكن لنساء الأنجزة أن تثبت أن حماس "ظلامية، وسلفية، ومن مخلفات التاريخ" لا تعرف قيادة حماس كما يبدو، أنها بهذا سمحت لعشرات الملايين أن تتدفق في جيوب قوات "الأنجزة" ثمناً لنقل هذا إلى إعلام الغرب الراسمالي الذي ينتظر بفارغ الصبر اية هفوة. إذن مولتم ايها المشايخ أعداءكم المتخارجين إلى الأجنبي. وقفز متقاعدو الماركسية والشيوعية واليسار ليبرزوا مفاتن غطاها الغبار على الرفوف، لكنهم لا يتذكرون انهم فعلوا كبائر الإعتراف بالكيان الإستيطاني، وهو ما يتضمن شطب حق العودة. وقفز اللبراليون والعلمانيون ثأراً للطير الذي مُنع من القول، والله يعلم كم منهم لا يصفع زوجته، إذا وصل البيت ولم يجد الطبيخ جاهزاً.
هل يحتاج كتاب د. كناعنة، الرجل الرصين والهادىء فوق اللزوم لكل هذا؟ ود. مهوي، الذي أفنى عمره لمعرفة الإنجليزية ليخدم بها العربية والعرب! ترى، لو سأل من حكموا على الكتاب بالإعدام أنفسهم واحداً من سؤالين:
الأول: هل هذه معركتهم اليوم؟ وهل يخدم هذا حكومتهم التي أصبح وضعها هشاً الآن تحديداً حيث انتقلت من المقاومة المسلحة إلى المقاومة الدبلوماسية وزيراً هنا وآخر هناك؟ ألا يحتاج هذا تكتيكياً على الأقل إلى مهارة!
والثاني: هل هذا مشروع إعادة التثقيف؟ وهل المشكلة هي كيف نمنع أطفالنا من معرفة أعضائهم التناسلية وقد غرسها الله فيهم؟ لماذا نكرّس هذا التحريم لنرغمهم على التفكير فيه ساعات وساعات، فقط لأن ذكره ممنوعاً!. هل يعرف أحد كم يفكر الأولاد اليوم في هذا الأمر الذي أشعل معركة بين البالغين والبالغات؟
وأخيراً، قال لي ذات مرة مسلم مستنير، انه معجب بالنموذج الإسلامي في ماليزيا. وهذا ذكرني بعدة ملاحظات عن ذلك البلد:
الأولى: أن ماليزيا بدل أن تبتكر اسماء لأعضاء الجنس، اقامت قاعدة صناعية ورفضت نصائح الغرب الراسمالي لها حيث كانوا قد قالوا لها: لا حاجة لأن تنتجوا سيارات "مثلاً" لأنكم لن تلحقوا بمستوانا، وسيكلفكم ذلك غالياً ولن تباع. وحينما زار محاصر محمد فيتنام، ناقش الفيتناميون الأمر معه، فنصحهم أن يصنعوا سيارات كما فعلت ماليزيا ونجحت. فبإمكان كل بلد ان يخلق مناخ نجاح صناعته إذا حماها، وحال دون أن يشتري وزرائه بأموال الفساد "الشبح" ليس شبح الشيوعية كما قال ماركس رحمه الله: "إن شبحاً يحوم في سماء أوروبا هو شبح الشيوعية" ، ولكن شبح المرسيدس. فالناس في بلادنا تعلو بما تملك وأكثر بما تسرق، وليس بما تفهم وتخدم. وتنجح صناعة بلد، إذا لم يكن صغيراً. فلا يمكن لإمارة لا يزيد عدد سكانها عن عدد معتقلي سجن بئر السبع الصحراوي أن يخلق سوقاً، ولكن ثلاثماية مليون من العرب والبربر والتركمان هم سوق مثالي.
والثانية: حينما قامت البنوك الغربية بلهف اقتصاد دول النمور الأربعة والتنينات الأربعة عام 1997، طلب صندوق النقد الدولي من ماليزيا أن تطبق وصفاته القاتلة على اقتصادها كما فعلت "النمور والتنينات" فرفضت ماليزيا. وعقد اجتماع للصندوق ودوله في ماليزيا ، وكان "آل جور" نائب كلينتون من الحضور ومن الوقاحة بمكان أن هاجم ماليزيا في عقر دارها، لكن ماليزيا لم تهتز. وبقيت على موقفها، ونجت من النهب. لم تنج ماليزيا ايها الإخوان ببذل الجهد لإنكار وجود أعضاء تناسلية، أو اسماء جديدة للضفائر! ولو فعلت ذلك لامتدحها كلينتون.
والثالثة: حينما اكتشف محاضر محمد الذي حاول زيارة القدس تضامناً مع نضال شعبنا، أن أحد وزرائه "منحرف جنسياً" سواء فوق أو تحت، اعتقله وحاكمه علناً.
فلماذا لم تقم وزارة التربية والتعليم قبل منع الكتاب، بالدعوة لطاولة حوار حول الموضوع مع أهل الراي بتعددهم. هذا إذا كان الأمر ضرورياً. فلو كان بقاء هذه الألفاظ خطراً إلى هذا الحد، لكان العالم قد انتهى منذ قرون. ها هو العالم وشعبنا بخير. فليست مشكلتنا في هذا، بل في الإحتلال والتطبيع، والفساد والتخلف وعدم الإنتاج...الخ.
لا أدعي العلم العميق بالأحاديث النبوية. ولكن أذكر حديثاً شريفاً يقول:
«جائت سيدة إلى الرسول الكريم، وسألته أسئلة في علاقتها بزوجها بما فيها اموراً جنسية. وحينما خرجت قالت فاطمة الزهراء:
– ما كان أقل حيائها!
– فأجابها الرسول: ليست بأقل حياء منكِ، لا حياء في الدين، ثم لماذا تستمعي إذن!»
ربما كان صحيحاً أن تقوم الجمعية الفلسطينية للقراءة في مكتبة البيرة العامة بالدعوة لحوار هادىء في الأمر يوم السبت 24 آذار الساعة السادسة مساء.
كنعان النشرة الألكترونية