Middle East Watch
La revue de presse alternative pour un Moyen Orient libre
© George – décembre 2024
كي لا يرث الثورة فريق أميركا:
السبت 1 ربيع الأول 1432, بقلم
كل اصدارات هذا المقال:
إتفقنا، كما يبدو، أن الثورة في تونس ومصر واللواتي "ربما" سيتبعن قريباً أو لاحقاً هي ثورة شعبية أو ثورة العفوية الواعية. عفوية التدفق إلى الشارع ووعي الحق في حياة افضل ووطن للشعب ونظمٍ تصل إلى مقاعد التحكم بالناس على الأقل عبرة اللعبة الانتخابية، بلا تكرار ولا توريث. هذه الثورة هي الرد على المتعجلين واليائسين بأن التاريخ أغلق الباب وما هو قائم هو مؤبداً.
لقد كتبنا في هذه النشرة كثيراً أن التاريخ وحتى حين يدلهم وجه يعرض مفاتيحاً للمغاليق التي تبدو وكأنها مطلقات. وتظل العبرة في القدرة على التقاط تلك المفاتيح. وفي غياب الحركات السياسية المنتمية بعمق وجذرية، لتلتقط المفاتيح وهو ما فعلته البلشفية والماوية والناصرية وغيرها، في هذا الغياب تندفع الجماهير وتكسر المغاليق لتعثر على جملة من المفاتيح.
قبل أن نستطرد، ما زلت أعتقد أن الجماهير في تونس ومصر تقف عند حافة كسر المغاليق! وأن الكسر الحقيقي لها يتطلب صدامات أعنف وضحايا أكثر بكثير. يتطلب:
– تدفق الملايين إلى الشوراع
– الإضراب العام الشامل إلى أن يرحل النظام بكامل بنيته
– يتطلب احتلال المصانع وتشكيل لجان لإدارتها
– يتطلب إذن آلاف وربما عشرات آلاف الضحايا.
ليست هذه رغبة في الدم ولكنها الضرورة. فلا خروج وهزيمة لأنظمة عميلة إلا بدماء تجرفهم.
كم هو مُفزع ذلك المنظر للشباب وهم يصافحون الجنود أو يقبَلونهم. صحيح أن الجندي من الشعب ولكنه في النهاية لم ينشأ في جيش ثوري، بل نشأ في جيش يحمي الديكتاتورية ويعترف بالكيان ويحمل عقيدة الجيش الأميركي! لا أقصد العسكرية التقنية فقط. فالجنود هم باختصار : "مطايا كل عصر".
منذ أن نصح قائد الجيش التونسي حاكم تونس بالخروج إتضح الإعداد لانقلاب في النظام، وفي اليوم الذي ظهر قائد الجيش يتحدث للمتظاهرين وصل الساحر الأميركي الرسمي فلتمان إلى تونس. وكانت الصفقة الإبقاء على الرئيس بالنيابة ورئيس الوزراء وهما رأس الطغمة الحاكمة نفسها.
صحيح أن القوى القومية واليسارية المضادة للإمبريالية لم تستطع ملىء الفراغ وليست قادرة وربما ليست راغبة في إسقاط راس النظام المتبقي، ولكن هذا لا يعفيها من وجوب التحضير للمعركة القادمة الأشد، معركة الحفاظ على الثورة، معركة وجوب الخروج من الفلك الأميركي معركة إعادة تعريب القطر التونسي. قد يرى الناس هناك أن ما يمكن تحقيقه حتى الآن هو ما حصل. ربما. ولكن الأهم هو الحفاظ على نقطة الوصول والإعداد تنظيما ووعيا وسلاحا، نعم سلاحا، لحرب شوارع حقيقية محتملة لاستكمال الثورة.
لم يضطر فلتمان لزيارة مصر بعد، كما زار تونس، واكتفى بالجلوس في مكتب لإدارة الثورة المضادة من باريس. وإلى هناك استدعى جماعة ١٤ آذار من لبنان ليعطي تعليماته. وخلال ذلك كانت أميركا تدفع البرادعي للعودة إلى مصر، والبرادعي هو الذي اشرف على التفتيش على الأسلحة النووية الوهمية في العراق، وكان يعرف أنها ليست موجودة، ولم يستقيل ولم يحتج لا على أكذوبة الأسلحة النووية واحتلال العراق ولا على اغتصاب نساء العراق كما كتبت الرفيقة بادية ربيع ذات مرة في هذه النشرة، بينما استقال الخبير السويدي! وإذا كان بطرس غالي وهو دمية رئاسة الأمم المتحدة قد عُيِّن لتسهيل اتخاذ هذه الأمم المتحدة ضد الشعوب قراراً لتدمير العراق ثم طردته الولايات المتحدة مهاناً، فإن البرادعي كذلك طُرد من منصبه، أو هكذا بدا ربما ليكون له دوراً في مصر. وإلى جانب البرادعي كان قائد الجيش المصري وفريق من ١٢ من كبار الضباط في الولايات المتحدة لتعميق العقيدة الأميركية فيهم، وعاد القائد إلى مصر!
هل حقاً هُزمت الشرطة المصرية أمام الشارع، أم كان وجوب انسحابها لتمرير انقلاب عسكري؟ ولتسهيل السرقات والتخريب كي يرى الناس في الجيش خلاصهم؟ وما معنى استعراض الدبابات في الشوارع والطائرات الحربية والطوافات سوى انقلاب الجيش على الشعب وحماية النظام وحتى الحاكم نفسه؟ اليس هذا لإرهاب الناس؟ لماذا لم يمنع الجيش النهب؟ اليست هذه تكرارا لما حصل في العراق على يد الجيش الأميركي؟ ولماذا منع التجول وتمطيطه على شكل انقلاب زمني ليبدأ من السادسة مساء ثم الرابعة مساء ثم الثالثة بعد الظهر؟ أليست هذه مقدمات لأحكام عرفية؟
ثم كيف لجماعة الإخوان المسلمين أن ترشح البرادعي باسمها حتى وهو يستغيث باميركا!!!؟ فهل المطلوب لمصر تغيير العسكر برجال الخبرات النووية؟ اي نموذج اميركي أكثر تعقيدا؟ ما الفارق إذن بين البرادعي ومبارك؟ كلاهما في الفلك الأميركي وكلاهما مع الاعتراف بالكيان الصهيوني، وبالتالي كلاهما ضد القومية العربية والوحدة. إن الإسلام السياسي المقبول هو القومي والوحدوي والمعادي للولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
ليس الأهم تصريح البرادعي بأن على مبارك ان يرحل. بل الأهم دعوته الولايات المتحدة للتدخل بالضغط على حسني مبارك. هنا يكشف الرجل عن وجهه كمبعوث متأمرك إلى الثورة لامتطائها. فهل يُعقل أن يتحدث باسم ثورة شعبية رجل يستغيث بالولايات المتحدة عدوة الأمة العربية والقومية والوحدة بل عدوة أمم العالم باسرها!
وحين يقبل الإخوان بالبرادعي فهم في الحقيقة يمهدون الأمة للخضوع للكيان الصهيوني وهذه المرة باسم الدين والكمبرادور والتجارة. وسيكون حلف السلطة هذه المرة اقوى لأنه سيتكون من
– مدنيين من صنع الولايات المتحدة
– ونفس العسكريين السابقين بالعقيدة الأميركية
– وقوة الإخوان المسلمين ذوي الاتجاه الأميركي والمضاد للقومية العربية
وكأن الولايات المتحدة قد أردفت النظام بمن لم يكونوا معه من معسكره الافتراضي وأنها تمكنت من إخضاع النظام للرصيد العريض من الإخوان المسلمين، ومن الواضح أن حسني مبارك لم يعد مهمًّ للولايات المتحدة، فحوله من العسكريين ما يُغني عنه. إن توكيل البرادعي يوضح مجدداً ان العقيدة السياسية للإخوان لم تتغير بمعنى العلاقة بالغرب الراسمالي.
في عدد من مجلة MERIP Report الأميركية التي بدأت يسارية أو بقيت على نمط اليسار الأميركي وايدت تدمير العراق، نشرت أحاديث لكل من راشد الغنوشي عن إسلاميي تونس، ومحمود الزهار من فلسطين والترابي من السودان، وكان تركيزهم أن ليست لنا مشكلة مع امريكا. أما الزهار فاضاف أن معركتنا مع إسرائيل! هل تغير هذا؟ وهل يمكن لمن لا يرى في أميركا عدواً أن يجرؤ على الدفاع عن فلسطين؟ هذا ناهيك عن موقفه الاجتماعي. من هنا وجوب التفريق بين قوى الإسلام السياسي على أسس سياسية وقومية واجتماعية طبقية وليس إيمانية.
ويمكن التذكير هنا أن الإعلام الغربي وخاصة الأميركي منذ احتلال بغداد وحين انطلقت المقاومة القومية وخاصة العسكرية البعثية كان الإسلام السياسي الأميركي ممثلا في حزب الدعوة ينفذ التعليمات الأميركية وها هو يسيطر على الشعب العراقي كإحدى أدوات الاحتلال ويتحدث عن الديمقراطية والتنمية والسيادة وغيرها.
عاب على كنعان اصدقاء ورفاق بسبب الدعوة للبقاء في الشوارع، وحين ظهر الجيش دعونا للإضراب العام واحتلال المصانع. ولسنا في موضع توجيه الناس هناك ماذا يفعلون، ولكن الحفاظ على الثورة يتطلب الاندفاع إلى الأمام لقطع الطريق على الثورة المضادة. كل ما في الأمر هو محاولة الحفاظ على زخم الشارع كي يتمكن من التصدي لشرطة وجيش وأمن الدولة القطرية. هذه المرة بالتصدي لها وليس لمناورتها من بعيد طالما وقد انفجرت الثورة، وهذا الفارق بين تفكيك مفاصل الدولة القطرية كمقدمات لإنهاك أمن الانظمة وجيشها في اشتباكات محدودة اشبه بلحظة أولية من حرب المدن قبيل الثورة، وبين الشعارات المطلوبة للثورة وهي مشتعلة.
وربما اصبحت هذه الدعوات أكثر ملحاحية الآن. إذ لا بد من مواصلة تشكيل لجان الأحياء ليس للحماية فقط بل للتكافل المعيشي اليومي إذا ما دعت الضرورة للإضراب العام والعصيان المدني وهما المعتَصَم الأخير للشعب ولن يتمكن اي جيش من إخراج كل الشعب إلى العمل والمدارس والمتاجر بالقوة. ولن يتمكن الشعب من تفجير الجيش من الداخل إلا بالتالي:
– البقاء في الشوراع وشل الحياة حتى يرحل راس النظام المدني والعسكري
– أو الإضراب العام والعصيان المدني واحتلال المصانع وإدارتها
– تشكيل لجان الحماية الشعبية والعون والتعاون الاجتماعي
– تشكيل تجمع تحالف وطني للحماية الشعبية من القوى الرافضة للدور الأميركي والرافضة للاعتراف بالكيان الصهيوني مكونة من القوميين واليساريين والإسلاميين الملتزمين بالموقف من الإمبريالية والصهيونية.
– اعتبار المرحلة الانتقالية مرحلة الحراك الديمقراطي الشعبي المفتوح.
– المطالبة بإعادة تأميم ما تمت خصخصته لإقامة قطاع عام واسع للتشغيل.
– وضع اليد على البنوك والشركات التي تملكها الحزب والطبقة والنظام الحاكم، وهذه يمكن أن تزود السلطة الشعبية الانتقالية بإمكانات مالية لتسيير الفترة الانتقالية.
مرة أخرى، فإن الصدام الحقيقي لم يأت بعد، وما لم يتم الإعداد له بذكاء وعزيمة فإن الثورة سوف تُغتال.
كنعان النشرة الألكترونية
السنة الحادية عشر ـ العدد ٢٤٧٦
١ شباط (فبراير) ٢٠١١