Middle East Watch

Middle East Watch
La revue de presse alternative pour un Moyen Orient libre

© George – décembre 2024


المستنقع اللبنانى فى اوراقه السرية

رامسفبلد لشولتز: لا عدل ولا سلام في الشرق الاوسط بل نزاع وابتزاز وقتل!

السبت 7 رجب 1436, بقلم ريمون عطاالله

كل اصدارات هذا المقال:

  • عربي

في اواخر عام ١٩٨٣ اوفد جورج شولتز، وزير الخارجية الاميركي في ادارة الرئيس رونالد رمغان، مبعوثاً خاصاً الى لبنان والمنطقة لتقصي الاوضاع هناك. والمبعوث هذا هو دونالد رامسفيلد الذي كان وزيراً للدفاع في ادارة الرئيس جيرالد فورد، ثم اصبح لاحقاً وزيراً للدفاع في ادارة الرئيس جورج دبليو بوش يوم تقرر غزو العراق وإطاحة نظام صدام حسين عام ٢٠٠٣. فكان اصغر وزراء الدفاع سناً في تاربخ الولايات المتحدة في ولايته الاولى، وكان اكبر وزراء الدفاع سناً في تاربخ اميركا في ولايتة الثانية. وقد حصل «الديبلوماسي» على التقارير التي ارسلها المبعوث الخاص رامسفيلد الى عناية وزير الخارجية الذي اوفده من دون اطلاع احد عليها. وقد اكد رامسفيلد على «حصرية» الاطلاع هذه بوضعه خطاً تحت عبارة «لك شخصياً فقط» في تقربره الى شولتز (for you only)، واصفاً التقرير بانه «افكار عشوائية» تحت عنوان «المستنقع». والملفت بنوع خاص في تقارير رامسفيلد المقارنة التي ساقها حول دور اميركا في فيتنام ودورها في لبنان، مما يستدعي ملاحظة اخرى في هذا السياق، وهي ان حرب لبنان التي اشتعلت عام ١٩٧٥، بدأت في الوقت الذي انتهت فيه حرب فيتنام، وكل منهما استمر خمسة عشر عاماً بالتمام والكمال.


بداية نص التقربر المؤرخ في ١٣ تشربن الثاني/نوفمبر ١٩٨٣ حسب العناوين التي اختارها رامسفيلد والمتضمنة توضيحات من «الديبلوماسي» حيث استدعت الحاجة.

القوات المنعددة الجنسيات

تمت المشاورات مع شركائنا في القوات المتعددة الجنسيات اثناء توقفي في لندن وباربس وروما كما كان متوقعاً.

وكانت زباراتي في قبرص مع سفراء اميركا الى لبنان، وسوربا، واسرائيل، وفي روما مع سفيرينا الى العراق وتركيا، مفيدة. انهم ديبلوماسيون محترفون ومتعاونون. وربما قمت بين حين وآخر بجمع بعضهم في مجموعات صغيرة للوقوف على افكارهم.

لبنان

ان الخلاصات الني تلقيتها منهم لم نهيئني لتلقي الاحمال الثقيلة التي القاها الجميّل (الرئيس أمين الجميّل) على عاتقي خلال اول لقاء لي مع احد قادة الشرق الاوسط بصفتي المبعوث الجديد (والاخير في سلسلة طويلة من المبعوثين الاميركيين) الى الشرق الاوسط. إنني أتساءل ما اذا كانت قيمة المبعوثين الاميركيين الى الشرق الاوسط قد اخذت تتلاشى.

ومن الواضح ان هؤلاء القوم لم يسمعوا بعبارة «فترة شهرالعسل». لقد صعقني وصدمني ما ابداه الجميّل من عواطف. وفي اللقاء الذي استأثر بمعظمه تكلم لفترات طويلة . وفي فترات اخرى استرخى وتكلم بلهجة المتفكر. ولست اعرف حتى الآن ما الذي دفعه الى افراغ مكنوناته كما فعل. قد يكون مخلصاً في ذلك. وربما كان يحاول استمالة رد فعلي او «تلييني».

ويخطر بالبال انه انفعل عاطفياً بسبب إلغاء زيارته الى دمشق. لكنني اشك في ذلك. الارجح في نظري انه كان يمهد لالقاء اللوم علينا اذا كان يفكر بتغيير موقفه من سوربا. كذلك يمكن القول بأنه يسير نحو نهاية شوطه.

ان رسائل الجميّل لي تطرح قضايا لزبارته المقبلة الى الولايات المتحدة، مما يقتضي النظر فيها بحيث يتاح للرئيس ربغان الوقت الكافي لتحضير الجميّل لتلقي النتيجة التي تفضلها، وبما يساعد على الربط بين زيارتي الجميّل وشامير. وغني عن القول انه من الافضل اجتناب اي ثغرات كبيرة بين توقعاته وبين ما هو مرجح ان يتحقق.

دخلت الى الاجتماع مع الجميّل ورأيي فيه اعلى كثيراً مما خرجت به. انني معجب به لأنه باق في بيروت بدل ان يكون على «الربفييرا الفرنسية». لكنني ارى فيه مرونة اكثر مما ارى صلابة، وغريزة المبادلة والمتاجرة لديه اقوى من الارادة، وفيه رخاوة اكثر من الشدة. وهذه الصفات ليست الصفات التامة لتستقطب حولها امة انهكتها الحرب. لكن، من جهة ثانية، فان فرز قطعة من الارض والاعلان من فوقها: «هنا أقف ولا أتزحزح»، قد لا يكون الطربق الصحيح في لبنان. ربما كان مطلوبه من المساومة الرغبة في ان «يلعب اللعبة» مع الوقت.

دروس مستقاة حديثاً

لا يسعني إلا ان الاحظ بعض التشابهات بين وضع الولايات المتحدة في لبنان ووضعها في فيتنام. ومع انها لم تركع على ركبتيها تماماً، فان هناك بعض التشابهات، منها:

 درجة ما لدينا من التأثير والاستثمار (الناس، المال، النفوذ)، في بلد لا نعرف عنه سوى القليل.
 التزامنا في منطقة يعرف المتعاملون معنا منهم، واصدقاؤهم واعداؤهم، بأننا لن نحترمه وتساورهم شكوك بأننا لن نبقى هناك.
 مثل حالنا في فيتنام، هناك قلة قليلة تسائل نوايانا مساءلة صادقة وأمينة، لكن قدرة الولايات المتحدة على تحقيق النتائج المرجوة تبقى محدودة.
 هناك مسألة ما اذا كانت الولايات المتحدة تدرب وتجهز الجيش اللبناني لخوض حرب خاطئة. لم أصل الى استنتاج، لكنني سوف انظر في الامر.
 التدخل المستمر من دول الجوار.
 التغيير السريع للاعبين الاميركيين (وزير الخارجية، مستشارو الامن القومي، المبعوثون الى الشرق الاوسط، السفراء، الموظفون العسكريون، الخ ...). ومع كل التخفيضات المطلوبة، ضاعت فرص، وتكررت اخطاء، وحدثت سقطات. يضاف الى ذلك، وهو امر مفهوم، الشعور المرافق الذي يتكون هنا من انعدام الجدية والثبات من جهة الولايات المتحدة.
أثار قائد عسكري محلي أساسي متعاطف مع الولايات المتحدة سؤالاً حول «من في جيب من»، وحتماً هناك اسئلة يطرحها البعض حول ما اذا كان هذا القائد قد يشكل تهديداً او يشكل بديلاً. («الديبلوماسي»: ربما كان رامسفيلد يقصد بهذا الكلام العماد ميشال عون الذي تم تعيينه قائداً للجيش اللبناني بعد نحو ستة اشهر من تاربخ هذا التقربر وتحديداً في ١٣ حزبران/يونيو ١٩٨٤).
 شعور بأنه في حال انسحابنا سوف يغرق المتعاملون معنا، ومعهم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
 علاقة مستعصية (Catch 22) بين الحاجة الى النجاح العسكري وتحقيق الشعبية لدعم الحكومة، والعكس بالعكس.
 الرغبة في تغيير موازبن القوى على الارض من اجل ايجاد استقرار كاف لتحقيق التماسك السياسي وتغيير افكار العدو، لكن ذلك دونه موانع سياسية (الكونغرس، حلفاؤنا في القوات المتعددة الجنسيات، الخ ...).
 وجود كونغرس متقلّب يبعث باشارات ملتبسة حول قدرتنا على البقاء، وسلطة تنفيذية غير موحدة تبعث باشارات متعددة في السر وفي العلن، بالقول وبالفعل.
 رغبة دفينة لدى الطرفين في ان يكون هناك «قنصل» او وصي اميركي («الديبلوماسي»: كما جرى فيما بعد مع غازي كنعان السوري وليس
الاميركي) مع ما يرافق ذلك من الضعف المحتوم والشلل الذي يصيب المحكومين من جراء احكام الضبط والسيطرة.
 تعقيدات وتداخلات في مواقع السلطة وتسلسل الامرة على الصعيدين العسكري والمدني مع كل ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر.
 كثرة عدد المبعوثين الزائربن (كثيرون جداً، اكثر من اللزوم).
 جعبة هزبلة من السهام، بعضها مثلوم، وبعضها طري، وليس «بين بين» سوى قلة ضئيلة جداً. حالة اشبه بمن يبني بيتاً باستخدام المطرقة والمنشار بدلاً من عدة بناء كاملة.
 في مقابل خصم لا يعرف التحربم والتحليل، وصبره لا ينفد، ولا روادع داخلية له (الكونغرس، والصحافة، الخ ...) بالنسبة الى الوسائل التي يختارها (الحرب، الارهاب، الاغتيال، الخ ...).

لا يجوز ان نبالغ في هذا التناظر، لكنه امر جدير بشيء من التأمل، لا بسبب خطر جرنا الى حرب بربة، لكن بسبب الاحتمالات العديدة لالحاق الاذى بأنفسنا وبآخرين من جراء الخطأ، او عدم اليقظة، او عدم الدقة في الحساب. ان ما تسير عليه اميركا من نوايا حسنة، وحدس مرهف، ومنطق قاطع، هو وصفة للمتاعب في منطقة عديمة الرهافة في الحدس وقلما عرفت المنطق كما عرفناه في اطارنا نحن. من جهة كان الضرر بالغاً، ومن جهة ثانية، تنبئني حاسة الشم لدي بأن الاحتمالات تتراكم بقوة ضدنا هنا. كم كنت اتمنى لو اننا لم ندخل الى هنا. اننا بحاجة الى البحث عن طريقة معقولة للانسحاب بوقار.

ان التنسيق بين الجوانب السياسية والعسكربة في اي عملية اميركية هو أمر صعب دائماً. وأملي ان تكون خطوط الاتصال العسكربة المتعددة
على موجة واحدة (منظمة استيعاب المعلومات للوكالات الدفاعية، القوات البربة، الارتباط بالقيادة الاوروبية «يوروكوم»، مكتب التعاون العسكري، ممثل رئيس هيئة الاركان المشتركة)، وان تكون تلك هي الموجة الصحيحة. ويبدو ان الولايات المتحدة قد عدّلت تدربب الجيش اللبناني من حالة التعامل مع الميليشيات المسلحة الى نطاق اوسع من العمليات ضد وحدات اكبر بكثير. وأتساءل ما اذا كنا نعدهم للقتال في الحرب الصحيحة.

تقول لي عيني غير المدربة ان وقف اطلاق النار الحالي هو مشكلة (وإن كان افضل الممكن في حالة بالغة الصعوبة). كل الجهات تخرقه ما عدا الجيش اللبناني. فالخطوط الحالية غير مؤاتية لجهود الحكومة الهادفة الى بسط الامن في بيروت، وهو امر حيوي وحاسم لبقاء لبنان. وقد يتعين على الجيش اللبناني، او اي جهة اخرى، تطويق بيروت وتنظيفها من المتسللين من اجل كسب الوقت للنظر في الوسائل الآيلة الى انسحاب القوات السوربة والاسرائيلية.

لقد صعقني ما صنعناه او سمحنا بنشوئه من اتكال لبناني علينا، سواء كان ذلك عمداً او سهواً. وقد ابلغني بعضهم ان علينا نحن ان نختار اعضاء الحكومة الجديدة. في رأيي، نحن نجازف بأن نكون مثل طبيب من الهواة يقوم بجراحة معقدة في الدماغ.

ان مستوى الالتزام الاميركي المطلوب من الحكومة اللبنانية يتجاوز، في الوقت الحاضر على الاقل، استعداد الشعب الاميركي والكونغرس لدعمه على اساس مستدام. فاذا كان الامر كذلك، فان الشعب الاميركي، واللاعبين الرئيسيين في الحكومة اللبنانية، واعداءهم، سوف تتبين لهم تلك الثغرة سربعاً. مع ما يرافق ذلك من مصاعب واضحة. ان السياسة الخارجية الاميركية يجب ان تكون متوطدة لدعم الشعب وإلا فانها ليست سياسة، بل هي مجرد انحراف أو زيغ مؤقت. وفاتحة الامر اظهار اقصى درجة من الوضوح حول ما نفعل، ولماذا نفعله، وما هي التضحيات، ولماذا يستحق ما نقوم به تلك التضحيات، وما اذا كانت له حظوظ معقولة من النجاح.

ان إبقاء أمين الجميل في حيز «الخيارات الاميركية» (وهذا التعبير له)، يحتم علينا الاستمرار في دعمه، وتكبد الضحايا، واظهار القدرة الاميركية على البقاء. وعلى الرغم من ان ساعة «قرار صلاحيات الحرب» اقتربت ان تدق، فان علينا ان نبقي القوات البربة الاميركية في «المتعددة الجنسيات» على اهبة الاستعداد في خنادقها (ولا تعود ادراجها كما حصل)، آملين ان تكون للاسرائيليين والفرنسيين الصلابة المطلوبة في مناسبات مختارة. ويمكننا، لو رغبنا، ان نزبح الجميّل من «الخيار الاميركي» في اللحظة المناسبة ونلقيه في «الخيار السوري» او في «الخيار الاسرائيلي». وكلاهما لا يناسب اهدافنا المعلنة. («الديبلوماسي»: قرار صلاحيات الحرب المشار اليه في تقربر رامسفيلد War Powers Resolution هو قرار فيديرالي يحد من صلاحية الرئيس الاميركي في اقحام القوات العسكرية الاميركية في النزاعات المسلحة من دون موافقة الكونغرس المسؤول عن اعلان الحرب بموجب القانون. لكن القانون يسمح للرئيس بارسال القوات المسلحة للقتال خارج الولايات المتحدة على ان يبلغ الكونغرس بذلك في غضون ٤٨ ساعة، وشرط ان تعود الى البلاد خلال ستين يوماً فقط مع فترة انسحاب لا تتعدى ٣٠ يوماً اضافية).

الانسحاب من المستنقع اللبناني

ربما كان المسيحيون اللبنانيون يرون تقاطعاً في المصالح مع السوربين او مع الاسرائيليين او مع كليهما. فاذا تحرك الجميّل في اي من هذين الاتجاهين فان ذلك قد يؤدي الى نوع من التقسيم في الشمال او الجنوب، لكنه يؤمن مظلة واقية (سورية او اسرائيلية) لما يتبقى من لبنان. ولما كانت سوربا تحترم اسرائيل (حتى لو انها لا تبدي الاحترام لنا)، فان «الخيار الاسرائيلي» له حظ أوفر من الديمومة.

اما ااحكومة اللبنانية فيجدر بها ان تتمسك بالخيار الاميركي فقط اذا ارتأينا انه بامكاننا ادامة حضور لقواتنا البربة يكون ثابتاً وصبوراً متأهباً. (ان نكون حذربن في شأن انسحابنا من نقاط التفتيش المهددة، ووضع مراكز قيادة مشاة البحرية (المارينز) في عرض البحر بعيداً عن الشاطئ، وما الى ذلك، واذا كان بمقدور الولايات المتحدة ان توطد العزم على التصرف بقوة في مناسبات مختارة (وهذه النقطة نبدو عرضة للنقاش).

لم تكن صياغتي جيدة لهذه الافكا رحول لبنان، لكن مهما تم تزبينها فانها لن تكون خياراً سهلاً، بالنظر الى القيود المفروضة من الكونغرس. وتشبه تشابك خيوط «غزل البنات» الرفيعة، التي تقيد وتكبح اي عمل فعال تقوم به السلطة التنفيذية. وبالنظر الى ان السوربين اصبحت لديهم الدراية المتقدمة ليعرفوا ذلك، فقد ابلغني احد الاردنيين ان السوريين قد حلّلوا قانون صلاحيات الحرب الاميركي بالاضافة الى الاحكام القضائية ذات الصلة التي اصدرتها المحاكم حول الفيتو التشربعي. انه من الافضل لنا ان نتدبر أمر انسحابنا من هذا المستنقع.

لبنان (من جديد)

في اجتماعنا الثاني بعد اسبوع بدا الرئيس الجميّل متعباً شارد الذهن. ظهر عليه تبرّم من اسرائيل اكثر من نبرّمه من سوربا. كان قد عاد لتوه من المملكة السعودية، وكان شديد الحساسية حول ترميم مكانته العربية. وريارته الى واشنطن سوف تؤثر في حسم مسألة على اي جانبيه يميل عندما يغادر عائداً الى بيروت. فاذا عاكسته كل الرياح فانه سوف يخسر اتباعه. كان طبعه اكثر تحفظاً مما كان عليه في اجتماعي الاول ممعه، لكن بدا يركز على الامور التي تضايقه اكثر من نركيزه على الخطوات التي ينوي اتخاذها بشأنها. يبدو انه يركز على تضايقه من الماضي اكثر من تركيزه على الخطوات المتوجب اتخاذها لتحسين الاحوال. شعوري انه يحادث السوريين . شعر أن ريارته الاخيرة الى واشنطن لم تكن مثمرة، وحيث كانت ذات مضمون فانها لم تركّز على القضايا الاساسية ذات الصلة. انه ببحث عن جواب بسيط سهل - القوة الاميركية على المنوال الذي اقترحه ملك الاردن. انه يقاوم المصالحة السياسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية. ربما بسبب ضغط جماعته، لكن هذا يجب ان يحدث وعلينا ان ندفعه في هذا الاتجاه.

مصر

كان اللقاء مع مبارك مفاجأة. من اللحظة التي دخلت فيها تقدم مني وكأنه من شرطة مكافحة الشغب، ومع لائحة طويلة من الشكاوى والمنغصات والشكوك التي اراد ان يزيحها عن صدره. لكن حدة اللهجة في تعليقاته اضطرتني الى دحض بعض ادعاءاته الجدية. كانت مقاربته، بالكلمات التي اختارها والاسلوب الذي اعتمده، تنبئ بأنه لا يكن احتراماً كبيراً للولايات المتحدة، وبأن لديه شعوراً بالخذلان، او على الاقل خيبة الامل بالولايات المتحدة. انها ليست وضعية مفرحة، على انني يجب ان أشير الى ان انطباعاتي الشخصية لا تتوافق مع البرقية الاخيرة من سفارة القاهرة وتتضمن خلاصة ادائها خلال فترة خدمة آثرتون. («الديبلوماسي»: يشير رامسفيلد هنا الى ألفرد روي آثرتون السفير الاميركي في القاهرة، وهو ديبلوماسي محترف في الخارجية الاميركية عمل سفيراً في القاهرة من ١٩٧٩ الى ١٩٨٣ فخدم بالتساوي بين رئاستي السادات ومبارك. وقبل ذلك عمل مساعداً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى من ١٩٧٤ الى ١٩٧٨. وقد توفي السفير آثرتون في عام ٢٠٠٢).

اسرائبل

لا مفاجآت. يبدو ان شامير (رئيس الحكومة الاسرائيلية آنذاك اسحق شامير) يتمتع بصلابة حديدية تحتاجها بلاد بهذا الحجم والتاربخ، وبالنظر الى صلابة الاسد (الرئيس السوري حافظ الاسد) وتصميمه وقوة عزيمته، فان اسرائيل محظوظة بوجود شامير. لكن هذا لا يعني ان المصالح الاميركية والاسرائيلية متطابقة دائماً. ان تعليقات الجميّل (الرئيس اللبناني أمين الجميّل) تثير قضايا يجب بحثها تمهيداً لزبارة شامير. ومن المفارقات الاشكالية انه (اي الرئيس أمين الجميّل) قلق من التعاطي المباشر مع اسرائيل لأنه كما قال لي: «اسرائيل تستطيع ان تأكلني مثل لقمة الخبزء».

يقلقني مفهوم «التعاون الاستراتيجي الاميركي مع اسرائيل» («الديبلوماسي»: يكتب رامسفيلد، كما هو معروف، باسلوب يتداخل فيه الغموض الشفاف، حمال الاوجه، مع الوضوح الفاضح. وفي هذا المقطع، ومن غير ان يقول ذلك، يبدو انه يشير الى سماعه العبارة المذكورة من الرئيس اللبناني أمين الجميّل، لأنه وضعها بين مزدوجين كاستطراد لما نقله في الفقرة السابقة عن لسان الجميّل). إنني لا افهم ماذا تعني، او ماذا نعطي وماذا نأخذ منها. هذا غير مسعف في تلك المنطقة، فاذا حصلنا من اسرائيل على قرار بتجميد بناء المستوطنات او اي اختراق كبير آخر في اطار عملية السلام، فانني ارى المنطق في هذا الكلام. اما في عدا ذلك، فانني اظن ان العبء سوف يكون اكبر من المنافع. ومسألة المبادلة أمر بحاجة الى نقاش. («الديبلوماسي»: استخدم رامسفيلد في هذه العبارة الاخيرة كلمة Reciprocity الانكليزية، وهي تعني تبادل المنافع او المعاملة بالمثل، او رد التحية بمثلها).

المملكه العرببه السعودية

لا مفاجآت. كان الملك ودوداً. آمل ان نصل الى نقطة يمكنهم معها مساعدتنا على ردم الهوة. البوصات الست الاخيرة («الديبلوماسي»: يقصد رامسفيلد بذلك المرحلة الاخيرة المتبقية من عملية السلام مع اسرائيل). وأملي اذا استطعنا تحقيق ذلك ان تدب فيهم (اي في السعوديين) الشجاعة الكافية لتقديم العون اللازم. على ان الامربن كليهما (اي الشجاعة والمساعدة) سؤال مفتوح جداً.

تركيا

يتغير كل شيء ولا شيء يتغير. بعد مضي تسع سنوات عادت الينا مشكلة قبرص. («الديبلوماسي»: يقصد رامسفيلد الفترة الممتدة من الاحتلال التركي لشمال جزبرة قبرص عام ١٩٧٤ في عهد حكومة بولند اجاويد وحتى زبارته التي يتناولها في تقريره هذا عام ١٩٨٣). لقد تصرفت بموجب تعليمات الحكومة الاميركية (لاحظت أوجه الشبه مع الموقف السوفياتي). اعتقد ان في يدنا سمكة اكبر نقليها. وأملي ان نتذكر ان اليونانيين ليسوا فوق الملامة، وأن تركيا تنتقد الولايات المتحدة. («الديبلوماسي»: يبدو ان رامسفيلد بإلقائه الملامة على اليونانيين، أراد تبرير سياسة التمسك بتركيا. وهو ما قصده على الارجح بعبارته «السمكة الاكبر» المتاح قليها. وهذا تعبير شعبي أنكلو - اميركي لوصف غنيمة دسمة او منفعة وازنة). على وزارة الخارجية ان تبادر الى العمل بشأن قبرص للحد من الضرر اللاحق بعلاقتنا مع تركيا.

وفي حين ان ذلك لا يسعفنا في الشرق الاوسط، فان اختياري لنقل الرسالة لم يكن اختياراً سيئاً لأن الاتراك يعرفون أنني صديقهم وأنا أقر بذلك. ومع ان الاهتمام بالمشكلة القبرصية الآن هو حرف للانظار، فقد كان اجتماعنا جيداً حول مصالح تركيا في الشرق الاوسط («الديبلوماسي»: حبذا لو ان رامسفيلد تناول مسألة مصالح تركيا في الشرق الاوسط بشيء من التفصيل او التوضيح، لأن ذلك من شأنه ان يلقي بعض الضوء على التطورات الجاربة الآن في المنطقة، وخصوصاً في سوريا والعراق، الجوار العربي المباشر لتركيا).

الاردن

إنهم (أي الاردنيون) ضد السوربين. ويشعرون انه اذا زال لبنان تصبح الولايات المتحدة خارج الشرق الاوسط. فتستدير سوريا نحو الاردن وتستهدفه في الطريق الى المملكة العربية السعودية. يشعر الملك (يقصد الملك حسين بن طلال) بشيء من «القرف» من البلدان الخليجية المجاورة التي تطعم التمساح (سوربا وليبيا) على أمل ان يجعلهم آخر ضحاياه. لكنه لا يرى امكانية معارضة السياسة السوربة الناجحة في ابتزازهم. هو يشعر انه ليست للولايات المتحدة سياسة. انه يتبع نهجاً حكيماً بتقوية علاقاته مع كل من مصر وتركيا.

امتعض الملك من تأخر الولايات المتحدة في الاجابة عن رسالته، وهو أمر يوليه اهمية كبيرة. وقد مضى عليها خمسة اسابيع (حتى الان). («الديبلوماسي»: لم يتطرق رامسفيلد الى مضمون رسالة الملك حسين الى الحكومة الاميركية، ولم يذكر تاربخها. وهو على الارجح في اواخر شهر ايلول/سبتمبر ١٩٨٣ او مطالع شهر تشرين الاول/اوكتوبر من تلك السنة اذا اخذنا بالاعتبار فترة الخمسة اسابيع التي ذكرها رامسفيلد. لكن عبارته الاخيرة «حتى الآن» تشير الى ان الاميركيين ليسوا في وارد الاهتمام بها أياً كان مضمونها. كما تبين ان رامسفيلد لم يطلع على مضمون تلك الرسالة، إلا بمقدار ما سمعه عنها من الملك حسين).

سوريا

كان الرئيس الاسد في المستشفى، قابلت وزبر الخارجية عبدالحليم خدام. انهم لم يتزحزحوا قيد أنلة، وهم مهرة بصور مذهلة في التمسك بأي ذربعة لتبرير موقفهم وزيادة الضغط على الحكومة اللبنانية والولايات المتحدة. القادة السوربون صبورون جداً، وقساة لا يرحمون. فاذا كان الجميّل يخشى ان تبتلعه اسرائيل «مثل لقمة من الخبز»، فان السوربين قادرون على ابتلاعه مثل «فرمة بطاطا». والى ان نتبصر في خطتنا بدقة، يلزم الولايات المتحدة ان تبعث الى سوربا باشارة واحدة ثابتة قوامها التصميم والصبر.

اننا بحاجة الى التكلم بصوت واحد. وهذا ما لا نفعله الآن . علينا ان نواصل الحوار على ان لا ننحني بوصة واحدة قبل أن نقرر اي طربق نتحرك فيه. ربما يمكنك ان تخفف قليلأ من طاقم السفارة في دمشق.

افكار شتى

اظن انه يجب علينا ان نخفف قبضتنا عن الشرق الاوسط بعناية فائقة حتى لا نزعزع الامور اكثر. علينا ان نحاول ما يلي:
 ان نضيق الفجوة بعض الشيء بين الانطباع الحالي المنفوخ والمضخم عن قدراتنا، وبين ما يبدو انه الواقع الفعلي.
 ان ننقل الاطار من الوضع الراهن حيث كل الاطراف تبلغنا ان الذنب ذنبنا، ويُظهرون غضبهم لأننا لا نفعل كذا أو كذا، الى إطار يقوم على جعل كل الاطراف تخطب ودنا وتسعى الى نيل مساعدتنا.
 لا يجوز لنا ابداً وعلى الاطلاق ان نستخدم في المستقبل قوات اميركية كقوات لحفظ السلام. اننا هدف كبير جداً. (فلندع الفيجيين والنيوزيلانديين يفعلون ذلك). («الديبلوماسي»: وضع رامسفيلد في تقربره خطاً تأكيدياً تحت عبارة «ابداً وعلى الاطلاق» للتشديد على اهمية توصيته هذه).
 يجب ان نواصل تذكير انفسنا بأن الدخول في شيء هو دائماً اسهل من الخروج منه. («الديبلوماسي»: هنا يبرز سؤال منطقي: لماذا لم يعمل رامسفيلد بهذه القاعدة او يتذكرها او يذكر بها عندما كان وزبراً للدفاع في ادارة جورج دبليو بوش التي قررت احتلال افغانستان والعراق بين ٢٠٠١ و٢٠٠٣).

كم كان حسناً لو استطاعت الولايات المتحدة ان تكون في وضع تستفيد فيه من اخطاء الآخربن، بدل ان يستفيد الآخرون من اخطائنا. لم أسمع مثل هذا الهراء الذي سمعته منذ أن كنت رئيس هيئة الموظفين في البيت الابيض. («الديبلوماسي»: خدم رامسفيلد في البيت الابيض كرئيس لهيئة الموظفين في عام ١٩٧٤ - ١٩٧٥، لكن العبارة التي استخدمها على أنها «هراء» هي الكلمة الانكليزبة العامية Guff التي تعني، حسب استخدامها الشارعي الدارج، التفوه بعبارات هوجاء يتقصد قائلها التضليل او الخداع وتكون عادة بلهجة لاذعة. وربما قصد رامسفيلد في هذا التقرير «الهراء» الذي سمعه من المسؤولين في منطقة الشرق الاوسط حول التوجهات الاميركية في المنطقة).

ربما احتجنا الى شيء من التحرك حول لبنان للبدء باعادة تنشيط عملية السلام. لكن علينا ان نظهر جهودنا في المسألتين («الديبلوماسي»: يقصد رامسفيلد المسألة اللبنانية وعملية السلام). يمكننا ان نمهد الارضية اللازمة لتوسيع عملية السلام ونحن نعمل على الوضع اللبناني. اننا بعاجة الى خطط تفصيلية لعملية السلام وللبنان وهو ما يعطينا في ظاهر الامر احتمالات معقولة على الاقل لتحقيق اهدافنا. ويبدو ان الحكومة الاميركية لن تعكف على ذلك قبل زيارتي شامير والجميّل. أفترض ان الحكومة الاميركية تعمل على تطوير هذه الخطط، وعلى افتراض ان الجميّل متمسك بـ«خياره الاميركي» في لبنان. فاننا بحاجة الى لائحة شاملة من الاجراءات - سياسية، وعسكرية، واقتصادية - ويمكننا، مع آخربن يرون رأينا، ان نبدأ بانتهاج مثل هذه المقاربات لخلق مناخ يساعد على تقوية الحكومة اللبنانية. ويتضح معها لسوريا ان خير تحرك لها هو الانسحاب من لبنان. أظن ان الامر يقتضي شيئاً من التفكير الخلاق.

إنه وقت مؤات للانكفاء والتفكير بإمكانية اعادة صياغة القضايا المطروحة بطربقة أنسب. علينا ان نقوّم قدرتنا على البقاء، والنظر في تحديد بعض الخطوط الحمراء سياسياً وديبلوماسياً (وأن نتعهد الالتزام بها). على سبيل المثال: هل نحاول «إنقاذ» بيروت؟ هل تقسيم لبنان نتيجة مقبولة (سوف نحاول منع ذلك بالقوة )؟ نشكر ا لله الرحيم لأنه أنزل المرض بالزعيم السوفياتي اندروبوف والرئيس السوري حافظ الاسد في وقت واحد ليتيح لنا فرصة مؤاتية. من يدري، لعل هناك فرصة مدفونة في مكان ما تطل علينا وسط هذا المخاض.

ترددت قبل وضع هذه الافكار على الورق. لكن في بعض الاحيان تكون الانطباعات الاولى (او الانطباعات الخاطئة) مفيدة. وضعت هذه الملاحظات بعد كل محطة توقفت فيها لشعوري بأنها قد تشكل نقطة بداية للبحث بعد عودتي.

أعدك بأنك لن تسمع على لساني بعد الآن عبارة «الولايات المتحدة تسعى الى سلام عادل ودائم في الشرق الاوسط». ليس هناك شيء من العدل، والشيء الوحيد الدائم الذي رأيته هناك هو النزاع والابتزاز والقتل - وليس السلام.

وفي المحصلة الاجمالية، «لو لم يكن لي شرف التكليف الذي أنيط بي لفضلت ان اكون في فيلادلفيا» («الديبلوماسي»: قصد رامسفيلد دائرته الانتخابية في شيكاغو وليس في فيلادلفيا. لكنه استعار تلك الجملة حرفياً من قائلها للدلالة على ما يقصد فقط، وذلك بارفاقها في نهايتها بالايضاح المعتمد في الكتابة الانكليزبة وهو sic Chicago).

ملاحظة

الديبلوماسي، العدد رقم ١٤٢ - نيسان / ابريل ٢٠١٥.


RSS 2.0 [?]

Espace privé

Site réalisé avec SPIP
Squelettes GPL Lebanon 1.9