Middle East Watch
La revue de presse alternative pour un Moyen Orient libre
© George – décembre 2024
النهار
السبت 7 محرم 1430, بقلم
كل اصدارات هذا المقال:
أرهقتني فلسطين وأرهقها العالم. ولكن بدء المعالجة ان اسرائيل لا توحي الثقة ولا تريد نهاية لقتل أهل فلسطين لأنها غير مقتنعة عميقا بأي حل وغير راغبة في الدولتين. هناك قليل من الواقعيّة اكتسبوها حديثا لكنها بعد ترقب غير بطيء ترتاح اسرائيل الى شراستها لتدخل في عقلية الإبادة وتُطبّق على الناس ما طبّقه هتلر فيها. لا يذهلني أن دولة اسرائيل فقدت كل رحمة، ولكن ما يجرحني ان أحداً لا يؤدّبها او يصرخ في وجهها لعلها ترتدع وتقتنع ان إلغاء شعب آخر سوف يرتدّ عليها. أمنية قلبي أن تدخل اسرائيل في ملكوت الفهم لئلا تتآكل ذاتها ولا يبقى فيها من يعقل حلولا فتخسر هي نفسها ونخسر بها.
في هذا الضيق الكبير ماذا يعمل الفلسطينيون؟ في البلدان التي تحترم نفسها يوضع حد للخلافات السياسية عند نشوب حرب، وتؤلّف حكومة وحدة وطنيّة. انا لا أملي شيئاً على إخوتنا الفلسطينيين. لهم هم ان يجدوا صيغة حكم أمام الوحش الهاجم عليهم. هناك غلبة مطلوبة وربما شراسة مطلوبة او سِلم محقَق. لا يجوز ان يموت أصدقاؤنا هناك كالعصافير. إراقة الدماء اذا كانت ضروريّة جدًا تصير شهادة. إيقاف شلال الدم يفرض نفسه في طريقنا الى الهدوء. بعد ذلك البحث في إنهاء الكيان الصهيوني وارد. ولكن هذا يتطلّب جهودًا كبيرة وقد ينتهي من نفسه داخليا. لكن الوضع العالمي الآن لا يسمح به. ومن هنا ان تسويةً ما تفرض نفسها. أنا لست مع الدولتين الى الأبد. لست مع الثنائية. مشتهى قلبي أن أرى فلسطين مستعادة ولكن قد يتطلّب هذا مراحل وجهوداً شاقة وكلمة واحدة للعرب.
في أيار ١٩٤٨ التقيت كمال جنبلاط في باريس. سألته عمّا حمله الينا. قال لي أنا في طريقي الى انكلترة لأشتري سلاحاً للبنان. لم يخطر على باله آنذاك ان كل جحافل العرب المجتمعين لمحاربة الميليشيات اليهودية لن تثبت بضعة ايام قبل تخاذلها. وحدة التخاذل اذا استمرّت لن تبقي فلسطين الا اذا تدهورت اسرائيل بسوس من داخلها. هل عندنا شروط نفرضها على باراك أوباما في حال الانحدار المالي العالمي؟ اذا لم تمت الخطابية العربيّة في مقولة التنفيذ فلسنا على شيء.
نحتاج الى قوّة روحية كبيرة وليس فقط الى استدلال سياسي ليجتمع المناضلون الفلسطينيون والمناضلون العرب. فإن الطاقة الروحية العظيمة تعطيك قوة عقلية عظيمة تجعلك في صميم السياسة التي يجب ان تتدبرها، فالعالم تغيّره قلّة من الناس كما قال لنا اندره جيد في محاضرة ألقاها في بيروت في مطلع الخمسينات. والعقل يتنافى والصراخ. النعوش تحيي همم الأحباء ولكن لا حاجة الى النعوش اذا استطعنا غير ذلك. لا حاجة الى التنديد باسرائيل. يجب قهرها بالطرق الملائمة، المدروسة، الممحّصة بتدقيق.
لن أدخل جدل الفصائل حول استعمال القوّة أمام مشهد القتلى الكثيرين في غزة. هل من نقاش حول المسؤول الأول عن السلاح؟ هناك لحن في اسرائيل يقول: "العرب لا يفهمون الا القوّة". ماذا يفهم الاسرائيليّون اليوم غير القوة؟ وهذا الشغف بالقوة ناتج من الخوف. هل يخاف اليهود حقاً العرب وقد دحروهم مجتمعين في أيار 1948؟ هل نستطيع نحن واياهم ان نقضي على الخوف لنبدأ المساءلة الحقيقيّة عن فلسطين؟ بعد عذاب الفلسطينيين لم يبقَ من مجال للبحث التاريخي او البحث عن حقوق الانسان الفلسطيني وكنت خصصتُ صفحات طويلة لهذا السؤال. اليوم يجب ان نخرج من المأزق، ليس ان لي ثقة بالدولة العبرية اذا تكلّمت، ولكن لا بد من الكلام على رجاء التواصل.
اذا هدأت غزة قبل صدور هذه الأسطر او هدأت في الأيام المقبلة يجب ان نفهم انها مسيح جماعي. فاذا كانت فلسطين قلب العرب والبشرية المتمدنة تكون غزة قلب القلب بعدما كانت في القرون الاولى للميلاد مركز روحانية ورهبانية عظيمتين، ويجب انطلاقا من أوجاعها ان نركز كل همومنا على فلسطين متلألئة ومنبعثة لصالح سكانها جميعا. نحن نريد خلاص الشعب اليهودي وتنقية نفسه من الكراهية التي تقتل كل انسان. نرجو ان يعود هذا الشعب الى كلام أنبيائه ليخلص بالحق.
والى ان يُحلّ هذا لا يجوز لأي حكم عربي ان ينطوي على نفسه وان يفتش عن سلامة قطره. في حضرة الله لا وجود لعربي لا يبالي بالقدس. ومن لا يبالي بالمقدسات لا قدسيّة فيه، والقدسيّة الأولى ليست للأماكن الدينيّة ولكن لشعب فلسطين. هو المَقدِس الحي لله. الهدف الأساسي لموقفنا الفلسطيني لا ينحصر في استعادة الأرض. نحن وراء استعادة الانسان وشرفه. كتب العالم والفيلسوف الاسرائيلي يشاياهو ليبوفيتس: "في اسرائيل الكبرى لن يكون عامل بناء يهودي ولا مزارع يهودي. سيكون العرب شعب العمال ونحن شعب الإداريين والمراقبين وموظفي الشرطة وبخاصة الشرطة السريّة. هذا البلد سيكون، ضرورة، دولة بوليسيّة. واهم دوائره ستكون دوائر استخبارات. وسيكون لهذا تأثير أكيد على الحياة الروحية وأخلاق البلد ويسمّ النظام التربوي... كل هذا سيكون في القطاع اليهودي، في حين ان السلطة الاسرائيليّة في القطاع العربي تبني معتقلات ومشانق. ان دولة كهذه لا تستحق الوجود ولا تستحق ان تستمر".
ما يحزن القلب ان ليس من فريق دولي يبدو انه يهتم لفلسطين اهتمامًا جديّا. هل وضع فلسطينيي اسرائيل وضع مقبول أم انهم مهدّدون بالترحيل، بما سمّي الترانسفير Transfer؟ هناك أوطان عربية مختلفة، وكل منا يحب مسقطه وان يحيا فيه ويموت فيه. ليس من كيان عربي بديلاً من آخر. وهنا تبرز قضية المخيّمات ولا سيّما في هذا البلد. هناك حديث عن تحسين أوضاعها الاجتماعية ولم نرَ شيئاً حتى الآن من هذا. المخيم تحديداً مؤقت. المحجة اذاً فلسطين. اية دولة عربية تؤمن حقًا بذلك؟ كيف ينجو لبنان من التوطين حتى ينجو حقاً؟ ليس من أفق عند الدول الكبرى لعدم التوطين.
أين لبنان من كل هذا؟ ما تأثير غزة عليه؟ هل سيحتفظ بكل مياهه؟ هل يُدمّر جنوبه أيضاً وأيضاً لحل مشكلة ما؟ اذا كان قتل الفلسطينيين بيد اسرائيل وهم كبار في الاحتمال، ماذا يردّها عن اجتياحنا ايضا وايضا؟
لا يكفي ان أكون توجّعت بسبب من غزة. ما حصل فيّّ اختلال عظيم. الانسان اليهودي يجعل نفسه مثل الله صاحب الحياة والموت. من يردع اسرائيل حتى لا نخاف؟ من يضمن الصغار؟
صحيفة النهار - ٢٠٠٩/١/٣