Middle East Watch

Middle East Watch
La revue de presse alternative pour un Moyen Orient libre

© George – décembre 2024


شخّص بدقة متناهية حتمية سقوط الانظمة القمعية

كيف هرب القذافي الى الجحيم؟

الثلاثاء 10 محرم 1433, بقلم ريمون عطاالله

كل اصدارات هذا المقال:

  • عربي

بصرف النظر عن طبيعة الحكم العشوائي الذي كان قائماً في ليبيا بقيادة العقيد المغدور معمر القذافي، فقد كان الزعيم الليبي الراحل رجلاً ذا نكهة في السياسة العربية والدولية. ومما يزيد من طعم نكهته ان الذين انقلبوا عليه من اهل حكمه، بدفع من قوى خارجية، كانوا طيلة عقود ينفذون ارادته من غير نقاش، وهم الذين ارتكبوا بأيديهم ما نسبوه تالياً اليه لادانته. واسطع دليل على ذلك مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الانتقالي نفسه الذي كان وزيراً للعدل في زمن القذافي، حيث كانت العدالة في ايامه عدالة قراقوشية تشهد عليها الممرضات البلغاريات اللواتي أمر القذافي بالافراج عنهن كرمى للسيدة الفرنسية الاولى سسيليا ألبنيز قبل اسابيع من طلاقها من الرئيس نيكولا ساركوزي.

وكان معمر القذافي يرى الصورة المقبلة على العالم العربي عندما وقف في مؤتمر القمة العربي في دمشق عام ٢٠٠٨ يخاطب الحاضرين والغائبين من الزعماء العرب بتذكيرهم ان القضية الفلسطينية لم تبدأ في عام ١٩٦٧ لتكون العودة الى حدود تلك السنة أمنية حياتهم، وكأنه يرى ان الآتي اعظم بالفعل.

لكن اهم ما ذكّر به القذافي الزعماء العرب آنذاك هو كيف دخلت الجيوش الاجنبية الى دولة عربية كبرى ذات سيادة احتلتها وفككتها وسرحت جيشها التاريخي الوطني وامسكت برئيسها وشنقته، متسائلاً: ماذا يمنع ان يدخلوا عليكم واحداً واحداً ذات يوم فيمسكوكم ويشنقون من شاءوا منكم؟ الطريقة التي جرّ بها حسني مبارك الى المحكمة محمولاً على سرير طبي كانت اسوأ من الشنق بالحبل. ذلك انها لم تبين عورات النظام السابق بقدر ما بيّنت بوضوح ملامح الوضع الآتي لتقول ان الماضي سوف يكون افضل من المقبل. والطريقة التي قتلوا فيها معمر القذافي بأمر مباشر تنفيذاً لتمنيات وزيرة خارجية دولة كبرى قبل يوم واحد من قتله، لا تنبئ بفداحة جرائم القذافي ونظامه المنهار بقدر ما تنبئ بالمستقبل الذي ينتظر الليبيين.

وحده الرئيس السوري بشار الاسد من بين الحكام العرب فهم اللعبة، فعكف على عملية اصلاح جذرية في سوريا ليكتشف ويكشف بالدليل الحسي انهم لا يريدون الاصلاح كما زعموا، المعارضة التي جعلت من نفسها مطية للقوى الخارجية من وراء كل هذا الحراك الدامي لا تريد سوى السلطة بأي ثمن كان، والقوى الخارجية التي تمتطي تلك المعارضة تريد التنازلات ولا تريد الاصلاحات.

عند هذه العقدة انفضحت المعارضات العربية فبانت انها اسوأ من النظم التي تدعو الى اسقاطها بشتى الحجج والذرائع، مصداقاً للمثل اللبناني القائل: «عند العقدة اسقط في يد النجار». بشار الاسد الآن هو الربيع العربي، لأنه صاحب مشروع اصلاحي جدّي وواضح لمستقبل سوريا.

ابواب الديكتاتورية

الديكتاتوريون المالكون للسلطة بكل مندرجاتها امثال صدام حسين ومعمر القذافي لا يعود في نظرهم شيء سوى الكتابة. ولذلك تجدهم يقومون بمحاولات كتابية ادبية ليست شيئاً يذكر بالمعايير النقدية الجدية، لكنها تدل على استشفاف لأفكار الديكتاتور وهواجسه. وكان الزعيم النازي الالماني ادولف هتلر رائداً بين الديكتاتوريين من هذه الناحية في كتابه «كفاحي» مع فارق ان هتلر وضع كتابه قبل الوصول الى السلطة، بينما صدام والقذافي كتبا وهما في اوج السلطة.

ففي روايته «زبيبب والملك» رأى صدام حسين بعين صافية ما سيؤول اليه مصيره الى درجة انه سمّى بعض الاشياء باسمائها فكان اسم الجلبي احد ابطال روايته. اما القذافي في روايته «الهروب الى الجحيم» فانه رأى مصيره بعين فلسفية. رأى نفسه منحدراً الى الجحيم من ضمن قدر لا مرد له. شخّص معمر القذافي فشله كقدر محتوم. عذره انه حاول لكنه لم يتعلم الدرس، فأسف على نفسه لا من الفشل، بل من عدم تعلم الدرس.

قال القذافي في روايته «الهروب الى الجحيم» ان معتقداته هي التي خانته، وكأنه يبرئ مصطفى عبدالجليل من الخيانة مسبقاً من غير ان يسمعه يدعو الى تطبيق الشريعة وتعدد الزوجات من ضمنها، فكأن في ثنايا نفسه رغبة دفينة في الزواج مرة اخيرة مكافأة له على «نضاله». المعتقدات هي التي تخون المرء وليس المرء هو الذي يخون المعتقدات. وعن قصد او غير قصد شخَّص القذافي بدقة متناهية حتمية سقوط الانظمة العقائدية، بما فيها الانظمة الاسلامية. ومع ذلك انت لا تقبل بذلك.
وهذا هو الباب الاول للجحيم وسوف تدخله طائعاً او ممانعاً.

ما يميزك، قال القذافي لنفسه، ليس معرفتك بالحقيقة او ادعاؤك معرفتها. ما يميزك هو عدم قدرتك على تب الحقيقة مهما كانت ساطعة او قاطعة لا ترد. تعرف انك لا تعرف. وهذا هو المدخل الثاني للجحيم وسوف تدخله طائعاً او ممانعاً.

القتل المضاد

بجدلية الهروب الى الجحيم القذافية يمكن تفسير ما جرى من قتل وقتل مضاد في ليبيا وكأنه قدر محتوم. المعارضون للقذافي اتهموه بالقتل والتنكيل وهذا صحيح، لكن القذافي كان يعرف انهم مثله لن يتعلموا الدرس، فقتلوا اكثر منه لأنهم قتلوه وابناءه فوق البيعة. وفي اغلب الظن انهم لم يقرأوا ما كتب بعدما اجبرهم بالقوة على قراءة «الكتاب الاخضر» وحفظه عن ظهر قلب، خصوصاً بعدما شاهدوا ارتال المثقفين العرب من مصر وغير مصر يتهافتون على خيمة العقيد يجرعون من الكتاب ويملأون جيوبهم بالدولارات وصفحات صحفهم بالحبر الاسود الذي لا لزوم له.

مباراة في القتل: من قتل اكثر من بقية القتلة؟ هذا هو السؤال الذي لا احد يريد الاجابة عنه. حلف شمال الاطلسي اكبر آلة قتل في العالم القديم والحديث، ظهر امام الليبيين وكأنه حمل وديع او جمعية خيرية مثل «كاريتاس» الكاثوليكية او الصليب الاحمر الدولي. المعارضون للقذافي يعرفون ان الحلف الاطلسي ليس جمعية خيرية، ومع ذلك صوروا لشعبهم ان استنجادهم به هو ضرورة انسانية لحماية المدنيين من بطش القذافي. مثل القذافي هربوا الى الجحيم لأنهم كانوا وما زالوا يكذبون على شعبهم. مهمة حلف الاطلسي في حماية المدنيين قتلت من الليبيين في مختلف انحاء ليبيا اضعاف مضاعفة عما قتله القذافي او حتى
معارضوه.

على الاقل، سيف الاسلام القذافي المتواري عن وجه عدالة مصطفى عبدالجليل أمين العدلية القذافية السابقة، ابلغ الليبيين مسبقاً ماذا ينتظرهم. ابلغهم سيف الاسلام ماذا سيحل بهم من قتل ودمار وترويع وكأنه يقرأ في كتاب مفتوح. فتح لهم ابواب الجحيم فدخلوا طائعين.

ربيع الاطلسي

الذي كسب المعركة ضد القذافي ليس «الربيع العربي» على الرغم من كل النوايا الحسنة للربيعيين العرب. المعركة كسبها حلف الاطلسي لأهداف اطلسية وليس لأهداف ليبية. وأول من يعرف ذلك هم الذين استنجدوا بالاطلسي لحمايتهم. ومع ذلك فانهم لم يكسبوا المعركة. القذافي خسرها. وقد خسرها بغروره. والانكى من خسارته لها معرفته بأن الخسارة لا ريب فيها كما كتب بقلمه في رواية «الهروب الى الجحيم».

لكن القذافي بطاووسيته وثيابه المزركشة لم يعد يقرأ. بدأ بالكتابة فنسي القراءة. ما كان يراه فقط ان الجليليين كانوا خداماً في بلاطه فأسماهم «الجرذان». خدموه خافضي الرؤوس اربعة عقود ونيف حتى صارت العبودية عادة. حتى ان مصطفى عبدالجليل في خطاب الشكر الذي القاه بعد مقتل القذافي قال ان الشكر يكون إما بالتكبير او بالسجود فخر الى الارض ساجداً. قال انه يشكر الله وهو «يسجد» للحلف الاطلسي. الاطلسيون انفسهم لا يختلفون كثيراً عن الجليليين في نظر القذافي. ألم يأته برلسكوني الى خيمته في طرابلس ليقبل يده؟ ألم يأته طوني بلير الى تلك الخيمة منحنياً خافض الرأس؟ ألم يأته ساركوزي ماداً يده يتسول العقود لشركات بلاده؟ ألم تقرّضه كوندوليزا رايس باعتباره من حكماء افريقيا، القارة السوداء التي منها جاء اسلافها عبيداً مقيدين بالسلاسل آذانهم دامية بين النخاسين؟ وزير خارجية جورج دبليو بوش الآن تضحك في سرها لأن مقتل القذافي كان اعظم دعاية لكتابها «الشرف الاعلى» وهي دعاية لم تتيسر لكتاب القذافي.

اي ربيع عربي هو هذا الذي تقوم فيه حكومة مصر الربيعية بدهس عشرات المتظاهرين بالدبابات. إزاء ذلك تبدو عملية حكومة حسني مبارك باطلاق الجمال في ميدان التحرير ضد المتظاهرين مسرحية هزلية من بطولة اسماعيل ياسين. على الاقل لم يمت احد تحت اقدام الجمال، بينما مات العشرات تحت جنازير دبابات المشير الطنطاوي وبقية الطنطاويين.

صورة وظلال

من المؤسف حقاً ان الشعوب العربية لكثرة ما تعرضت له من الظلم والاستبداد باتت لا تميز بين الصورة وبين الظل. اجبروهم على قراة الكتاب الاخضر فلم يقرأوا في كتاب الجحيم. دخلوا الى الجحيم قبل ان يقرأوا في الكتاب خشية ان يروا صورة القذافي تهزأ بهم وتقول لهم: «لقد ضحكت عليكم اربعين سنة. نصف قرن تقريباً اضعتموه من عمركم وانتم في حالة موت سريري. انكم لا تقومون من الموت بل تسيرون الى الجحيم حيث العذاب الابدي».من اين جاء سيف الاسلام بكلامه هذا ان لم يكن قد سمعه من ابيه المعترف بأن معتقداته هي التي خانته وليس مصطفى عبدالجليل وبقية «الجرذان».

والذين شاهدوا صور ميدان التحرير في القاهرة سكروا منتشين بالربيع. لم يخطر ببال اي منهم انه يسير بحماس ربيعي الى الجحيم اللهاب. جعلوا ربيع ميدان التحرير واجهة لانقلاب عسكري مبيت في الدوائر الاطلسية. اي ثورات ربيعية هي تلك التي ليس لها قيادة تنطق باسمها، وليس لها برنامج ينطق باهدافها، وليس لها خريطة طريق للسير ببرنامجها الى الامام، ولذلك كان من غير الصعب ادخالها الى الجحيم حيث النار الابدية وهي تظن انها سائرة الى الجنة حيث الربيع الدائم.

لا براءة للقذافي ولا براءة لصدام حسين، فقد كانا يعرفان طريق الجحيم قبل دخولها او الهروب اليها. لكنه ينبغي ان تعاد قراءتهما بإمعان. فليس صدفة ان احدهما حُكم بالموت وجاهياً، والآخر حُكم عليه بالموت غيابياً. فالمحكمة واحدة والحكم واحد. وهذا يعرفه القاضي مصطفى عبدالجليل عندما كان يصدر الاحكام الجاهزة في خيمة القذافي وفي خدمته.

ملاحظة

الديبلوماسي
العدد ١٣٥
تشرين الثاني / نوفمبر ٢٠١١


RSS 2.0 [?]

Espace privé

Site réalisé avec SPIP
Squelettes GPL Lebanon 1.9