Middle East Watch
La revue de presse alternative pour un Moyen Orient libre
© George – décembre 2024
الثلاثاء 1 ربيع الأول 1428, بقلم
كل اصدارات هذا المقال:
قد تكون الحرب مع حزب الله من الحروب الطويلة نسبياً في الصراع العربي الإسرائيلي إذ دامت ثلاثة وثلاثون يوماً، وبرأي البعض ستة اسابيع. ورغم طول هذه الحرب مقارنة بغيرها وبالقرار الإسرائيلي المعروف تقليدياً، بأن اية حرب تخوضها إسرائيل يجب أن لا تكون طويلة، إلا أن من أهم وقائعها أنها دفعت قرابة ثلث السكان إلى الشوارع هرباً من الصواريخ التي كان بوسعها الذهاب إلى "ما بعد ما بعد ما بعد حيفا!". وهم السكان الذين اعتادوا "الأمان التام" في الحرب حتى لو طالت. وهو أمان نجم في الأساس عن التفوق التسليحي الإسرائيلي، ناهيك عن توفر الجاهزية الأميركية لمد جسر التعويض التسليحي لإسرائيل اثناء الحرب كما حصل في أكتوبر ١٩٧٣، كما يقوم هذا الإعتقاد على تراث عدم دخول اي جندي واية قذيفة عربيين إلى العمق.
قادت هذه الحرب إلى إغلاق كافة الصناعات في الشمال طوال استمرار الحرب، بما اشتمل ذلك على خسائر اصحاب الأعمال والعمال والمزارعين.
لكن السؤال المفارق هنا: لماذا لم يكن لهذه الحرب تاثيرها القاسي على النمو الإقتصادي ؟
طبقاً لتقديرات مكتب الإحصاء لإسرائيل، فإن الإنتاج الأهلي الإجمالي لإسرائيل نمى في الربع الأخير من عام ٢٠٠٦ (عام الحرب) بنسبة ٨ بالمئة بمعنى أن الحرب أدت إلى تباطؤ النمو في الربع الثالث من عام ٢٠٠٦ ليصل إلى ٠.٧٪ أي اقل من واحد بالمئة، وهو الربع الذي دارت الحرب في جزء منه، إلا أن الربع الرابع لنفس العام شهد نمواً عالياً.
فقد بين مكتب الإحصاء المركزي لإسرائيل أن الإنتاج الأهلي الإجمالي هناك نمى بنسبة هائلة قدرها ٨ بالمئة بينما تدنى النمو في الربع الثالث إلى ٠.٧٪ وكان النمو في الربع الثاني من العام نفسه ٦.٣٪ وهو الربع السابق للحرب. وبهذا تكون نسبة النمو للعام بمجمله ٥.١٪ مقارنة بنسبة نمو للعام السابق عليه ٢٠٠٥ وهي ٥.٢٪. وقد يكون التفسير الأقرب لهذا النمو في العقد الرابع لعام ٢٠٠٦ هو تحرك الطلب المُعاق نتيجة الحرب ليحقق نفسه في الربع الأخير.
إن قراءة أخرى ضرورية لهذه الأرقام. فإذا كان النمو المعاق "مؤقتاً" للطلب قد جرى تعويضه في أعقاب الحرب، فليس شرطاً أن يكون توزيع ناتج النمو توزيعاً منصفاً، حتى لو كان الطلب اللاحق هو الذي رفع الإنتاج الأهلي الإجمالي بنسبة ٨٪ في الربع الأخير من نفس عام الحرب. فقد كانت هناك شكاوى كثيرة من اصحاب الأعمال والمساكن المتصررة مفادها أنهم لم يحصلوا على التعويضات المناسبة عن خسائرهم.
وعليه، فإن للحرب آثارها الإقتصادية على قطاع المنتجين وملاك الصناعات من جهة، وآثارها الإجتماعية التي تشير إلى تزايد عدم المساواة من جهة ثانية.
لا توجد بعد تقديرات فيما إذا أدت الحرب إلى توقف الشحن إلى الخارج، اي إعاقة صفقات كان يجب أن تخرج وأن تصل إلى مستورديها في تاريخ معين، وبالتالي أعاقت الحرب تسليمها أو استلام صفقات مستوردة. ولا نعرف بعد كذلك كيف تعاطى المستوردون وخاصة من الإتحاد الأوروبي مع إعاقة التسليم. اي هل حصل تعاطٍ سياسي وليس محض اقتصادي مع هذه الأمور الطارئة؟
كما دارت اقاويل بأن التعويض للعرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر كان اقل مما هو لليهود المتضررين من الحرب.
وباختصار، لأن الحساب العام للنمو شأنه شأن تقدير متوسط دخل الفرد يبقى بالمتوسط ولا يعني بالقطع تساوي المداخيل. وهنا أهمية هذا الأمر في إسرائيل التي تعتبر نفسها، وتهتم بأن تكون " دولة" ترضي مختلف المواطنين كي يبقى تمسك وتماسك هؤلاء بالدولة وإيديولوجيتها وعدواناتها في درجة عالية.
حتى الآن، نتحدث عن إسرائيل الدولة والإنتاج المحلي هنا "إسرائيل الأولى"، فماذا عن إسرائيل الثانية "إسرائيل المخزون المالي" أي يهود العالم ولا سيما في الولايات المتحدة. هل حُسبت تبرعاتهم الهائلة دوماً لا سيما في أعقاب الحرب؟ ولا نتحدث هنا عن إسرائيل الثالثة "المخزون البشري ليهود العالم"
وهناك جانب آخر في حسابات كلف الحرب لا يظهر في حساب معدل النمو الإقتصادي وهو النفقات غير المنظورة للحرب. فهل يُعقل أن لا تكون كلف الحرب قد اثرت على الإقتصاد الإسرائيلي؟ وهي كلف كبيرة سواء من حيث تحريك عشرات آلاف الجنود بناقلاتهم ودباباتهم، والمقدار الهائل من القذائف التي ألقيت على لبنان وخاصة الجنوب، وكلفة واستهلاك وإهلاك تحريك سلاح الطيران في ذلك العدوان، وحتى سلاح البحرية.
قيل في إسرائيل عام ١٩٧٣ أن حرب اكتوبر كلفت إسرائيل بمقدار الانتاج الأهلي الإجمالي لها في ذلك العام. فمن الذي عوض ذلك. وحتى الآن لا توجد تقديرات لكلف هذه الحرب ، أو على الأقل، إعادة تعبئة مخازن الذخيرة وقطع الغيار والدبابات والمركبات المحترفة ونسبة إهلاكها، والوقود...الخ أم أن هذه تندرج في نظرية "التدمير الخلاق" التي كررتها السيدة رايس، والتي يكمن اساسها في نظرية الإقتصادي الأميركي المعروف من اصل ألماني ، جوزيف شومبيتر؟ وهنا تكون الحرب محرك نموٍ، بل المحرك الأساسي للنمو. وفي حالة إسرائيل يكون الإنفاق خارجياً. وإذا صح تقديرنا هذا، فهو يتساوق مع التفسير السياسي لحروب إسرائيل ولا سيما هذه الحرب التي خاضتها إسرائيل بالنيابة، وقد تخوض غيرها في الصيف القادم، أي الوظيفة الحربية كجزء من الدور الوظيفي لإسرائيل في المنطقة.
وعليه، يمكن القول أن إسرائيل لا تبين هذه الخسائر في حسابات الإنتاج الأهلي الإجمالي لأن تعويضها يتم كعائدات غير منظورة. وإذا صح هذا، تكون ميزانية الجيش والحرب في إسرائيل منقسمة إلى قسمين : قسم مُدرج وآخر غير مدرج إلى جانب المساعدات العسكرية الممنوحة بالطبع. وبالتالي يمكن لها أن تظهر في الحسابات الأميركية وليس الإسرائيلية وتكون على حساب دافع الضريبة الأميركي، وهذا يفتح على بعد آخر هو: أن إسرائيل تخوض حقاً حرباً وتلعب دوراً وظيفياً في المنطقة. وهذا ليس موضوعنا.
من جهة ثانية، حققت إسرائيل فائضاً في كانون ثاني من العام الجاري بمقدار ٤.٣ بليون شيكل حسبما صدر عن المراقب العام لوزارة المالية الإسرائيلية.ويعتقد المحللون الإسرائيليون أن شهر كانون ثاني طالما حقق فوائضاً، وذلك راجع إلى كون نفقات الحكومة تُحسب على اساس موسمي وتميل إلى الإنخفاض، في حين يكون دخل الضرائب عالياً. فقد كان الفائض في كانون ثاني من عام ٢٠٠٥ إلى ٤.٩ بليون شيكل وفي عام ٢٠٠٦ إلى ٥.٦ بليون شيكل.
فقد أنفقت الدولة ١٤.١ بليون شيكل في كانون ثانٍ أي بأقل من ما كان مخططاً له. وكانت مداخيل الضرائب هي ١٧.٤ بليون شيكل (وهذا رقماً عالياً مقارنة مع اي شهر)، وبأعلى بـ٦.٧ بالمئة من كانون ثاني الماضي (لهذا العام). كما بلغت مداخيل الضرائب في آب لعام ٢٠٠٦ إلى ١٧.١ بليون شيكل، لكن هذه تتضمن مدفوعات ضرائب لمرة واحدة بمقدار 3.7 بليون شيكل وهي متأتية من بيع شركة إسكار لشركة وارين بافت Warren Buffett لكن مصادر الخزينة تقول إن نتائج شهر كانون الثاني لا تمثل اي مؤشر ينسحب على الإنفاق في المستقبل.
لا شك أن النمو الإقتصادي لسنة الحرب هو نمو متميز بما هي سنة حرب من جهة، وبما أن النمو فيها ظل في أعلى نسب النمو في العقود الأخيرة للإقتصاد الإسرائيلي من جهة ثانية.
السنة | ٪ |
---|---|
١٩٩٠ | ٦.٢ |
١٩٩١ | ٥.٩ |
١٩٩٢ | ٦.٧ |
١٩٩٣ | ٣.٣ |
١٩٩٤ | ٧ |
١٩٩٥ | ٦.٨ |
١٩٩٦ | ٥ |
١٩٩٧ | ٣.٣ |
١٩٩٨ | ٢.٤ |
١٩٩٩ | ٢.٣ |
٢٠٠٠ | ٥.٩ |
٢٠٠١ | ٠.٩ - |
٢٠٠٢ | ٠.٧ - |
٢٠٠٣ | ١.٣ |
٢٠٠٤ | ٤.٢ |
ألمصدر: وزارة الخارجية الإسرائيلية، وزارة المالية الإسرائيلية
يتناول الجدول أعلاه خمس عشرة سنة، بنمو متوسط لهذه الفترة يصل إلى ٤.٣٪ سنوياً، وهذه نسبة عالية مقارنة بالنمو في بلدان المركز ألرأسمالي الغربي، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مجتمعين ومنفردين. فحينما يصل النمو في المركز ما فوق ٢.٥-٢.٨ بالمئة يكون الوضع جيداً!.
يُظهر النمو السالب لعامي ٢٠٠١ و٢٠٠٢ والنمو الضعيف لعام ٢٠٠٣ تأثير الإنتفاضة الثانية على الإقتصاد الإسرائيلي. وقد يكون هذا التأثير الملموس، مقارنة مع تأثير الحرب على لبنان، ناجم عن الإمتداد لهذه الحرب وليس عن الشَدّة كما هي حال الحرب على لبنان. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإن لتراجع الإستهلاك الفلسطيني من المنتجات الإسرائيلية دوره في هذا المستوى مما يعني توقف نسبة عالية من القطاع الإنتاجي الكلاسيكي وخاصة الغذائي الذي يُسوق منتجاته بنسبة عالية بالاعتماد على اسواق الضفة والقطاع.
كما نلاحظ من الجدول أن الحرب على العراق ١٩٩١ لم تؤثر على النمو الإقتصادي في إسرائيل، رغم إعلان حالة الطوارىء حيث ظلت من أعلى نسب النمو في الفنرة المعطاة.
كنعان النشرة الألكترونية
السنة السابعة ـ العدد ١٠٩٦ - ١٩ آذار (مارس) ٢٠٠٧