Middle East Watch
La revue de presse alternative pour un Moyen Orient libre
© George – décembre 2024
تمسك السوريين بالدولة هزم «المعارضة»
الثلاثاء 10 محرم 1433, بقلم
كل اصدارات هذا المقال:
صار بمثابة قانون للحراك الشعبي العربي الهادف الى التخلص من الفساد والحكم الاستبدادي انه ينجح بصورة افضل طالما هو حراك سلمي ويفشل بصورة مزرية اذا تحول الى حالات عنفية بأي درجة كان. ذلك ان العنف يؤدي بطبيعة الحال الى انقسامات استقطابية على خطوط التصدع الطائفي والمذهبي والديني والعرقي والجهوي، بينما التظاهر السلمي المطلق يؤدي الى الوحدة الوطنية والتماسك. كما ان العنف من جهة ثانية يتيح مجالات اوسع للتدخلات الخارجية والاجنبية. وقد بانت هذه المعادلة بأجلى صورها في الاحتجاجات السورية التي حركها الاسلاميون بدعم من دول عربية واجنبية، فسقط المعارضون ليتبين انهم لا يريدون الاصلاح بقدر ما يريدون الاستيلاء على السلطة.
ولذلك يمكن القول ان نظام الرئيس بشارالاسد كسب المعركة بوضوح على الصعيد الداخلي بالتفاف غالبية الشعب حوله، وفي الدرجة الاولى بلجوء المعارضين الى العنف والسلاح والقتل على الهوية مما عزلهم وكشف مدى ارتباطاتهم الخارجية فظهروا وكانهم ينفذون مخططاً لغيرهم هم فيه مجرد واجهة. واستطراداً يمكن القول ان الرئيس الاسد كسب المعركة على صعيد المنطقة العربية التواقة الى التغيير البنيوي في الاوضاع العامة لا مجرد تغيير حاكم معلوم بآخر مجهول. وبالتالي فان المسار الاصلاحي الذي تسير عليه سوريا سوف يكون قدوة رائدة تعطي لدمشق موقعاً قيادياً في العالم العربي الجديد.
هناك عوامل عديدة حسمت الصراع السوري لمصلحة تطوير النظام في الاتجاه الوطني الديموقراطي الاصلاحي اهمها ستة عوامل هي التالية:
ادرك السوريون من البداية ان المناداة بالاصلاح وتطوير النظام هو الطريق السليم لتحقيق مطالب الشعب. وقد هالهم عندما استجاب الرئيس الاسد للمطالب الاصلاحية من البداية ان جهات معارضة معينة سحبت من التداول مطلب الاصلاح وطرحت اسقاط النظام. هذا الطرح المتطرف صدم السوريين، خصوصاً في المدن الكبرى، فتخوفوا منه لأن السير فيه الى نهايته لن يؤدي فقط الى اسقاط النظام بل الى اسقاط الدولة حاضنة الجميع والمجتمع، وسقوط الدولة سوف يؤدي حتماً الى حرب اهلية دامية ومدمرة وبالتالي الى تفكيك البلاد وانحلالها. امام هذا المشهد المروع الذي شاهدوا نماذج منه على المسرح الليبي، ومن قبل على المسرح العراقي، والآن في مصر حيث تتفكك الدولة ببطء، قرر السوريون واهل المدن الكبرى التي يقوم عليها المجتمع المدني الموحد في البلاد الحفاظ على الدولة السورية مهما كلف الامر. ولذلك لم تشهد الدولة في سوريا طيلة الاشهر التسعة الماضية من الاحداث اي انشقاق في اي سلك مدني او عسكري، لا في الشرطة وقوى الامن، ولا في الجيش، ولا في السلك الديبلوماسي، ولا في البلديات
والادارات العامة، ولا في العاصمة ولا في الارياف. بقيت الدولة متماسكة وقادرة على التفكير السليم والحسم.
بقيت المدارس تمارس التعليم، وبقيت المستشفيات تستقبل المرضى والمصابين، وبقيت المعاملات الحكومية جارية حسب الاصول، وبقيت التعليمات تصل الى المبعوثين في الخارج من رؤسائهم في الخارجية، وبقيت الاشغال العامة قائمة كما هي مقررة، ولم تنقطع الكهرباء في اي مكان، ولم يكف المزارعون عن زرع حقولهم وبساتينهم وجنيها،ولم تنقطع المياه عن البيوت، ولم تتوقف الموانئ البحرية والجوية عن عمليات الاستيراد والتصدير، ولم تغلق الاسواق ابوابها في وجه المتبضعين والموردين. ولم تقم ورش بناء مخالفة للقانون، او اي بناء مخالف في الاملاك العامة او املاك الغير، كما جرى حتى في تونس ومصر. بل يمكن القول ان الدولة السورية خلال الاشهر الاخيرة انتظمت اعمالها اكثر من اي وقت مضى تحت وطأة الشعور بالمسؤولية الوطنية. كسب النظام ومعه غالبية الشعب السوري معركة مهمة هي معركة الحفاظ على الدولة الناظمة والجامعة للجميع.
تبين من خلال الاحداث التي شهدتها سوريا في الاشهر الاخيرة ان رئيس الدولة الدكتور بشار الاسد يتمتع بشعبية كبيرة في جميع انحاء سوريا. بل ان كثيرين من السوريين يعتبرونه خشبة الخلاص من انغلاق النظام الموروث على اي عمل او مطلب اصلاحي ولمسوا جدية طروحاته وعزمه على تنفيذها، وايقنوا انه يقف في صف الشعب والدولة، لا في صف المتجاوزين الفاسدين في النظام.
فقد كان من المعروف والمتداول قبل الاحداث ان الرئيس الاسد له مثل هذه المكانة الشعبية، لكن ذلك كان تخميناً افتراضياً. اما في خلال الاحداث فقد ثبت ذلك بالدليل الحسي القاطع الى درجة يمكن القول معها انه لو كان على رأس الدولة رئيساً كبقية الرؤساء العرب الساقطين منهم والقائمين، لكانت سوريا الآن في مهب الريح.
ومن غير المنطقي او الواقعي القول ان شعبية الرئيس الاسد كاسحة ماسحة بنسبة ٩٩.٩٩ ٪، على طريقة الانظمة الشمولية، لكنه من المؤكد انه يتمتع بشعبية كبيرة وكافية لتثبيت شرعية حكمه، وهي حسب التقديرات المحايدة لا تقل عن ٦٢ الى ٧٠ في المائة لو جرت انتخابات رئاسية حرة اليوم.
ومن ابرز اسباب شعبيته هذه انه ظهر امام السوريين والعالم على انه رجل دولة وليس رجل سلطة. فالنظام السوري الموروث، لكونه يقوم على الحزب الواحد، له طبيعة ديكتاتورية. لكن هذه الديكتاتورية كانت تصعد وتهبط منافسها تبعاً للظروف الداخلية والخارجية، فتشتد في احوال العنف وتتضاءل في احوال الهدوء والاسترخاء، وكذلك قابليات الفساد المنظم فيها. فالفساد في النظام السابق كان يأخذ منحى توزيع الحصص او المغانم بشكل منظم من قبل رأس هرم السلطة لتثبيت اركان حكمه. والفساد الاكبر بطبيعة الحال يستدرج الفساد الاصغر على المستويات الدنيا في الدولة والادارات العامة. لكن هذا «النظام» القائم على الفساد المدروس اخذ يتلاشى تدريجياً منذ مجيء بشار الاسد الى الحكم في العام ٢٠٠٠، وراحت دائرته تتقلص قبل مجيئه بفترة من الزمن تمهيداً له لكي يرث ايجابيات النظام ويسهل عليه تضييق سلبياته. كل هذا يعرفه السوريون وهو موضوع رئيسي في احاديثهم الخاصة وصالوناتهم، بالاسماء والارقام والاشخاص. وهذه الاحاديث الخاصة كان كثير منها يصل الى مسامع الرئيس، بحيث انه كان ملماً بالوضع من جميع جوانبه، وعقد العزم على جعله وراءه وليس امامه.
ولا يخفى على احد ان سوريا خلال العقد المنصرم بادارة الرئيس بشار الاسد لم تقف وتراوح مكانها، بل شهد تطورات اقتصادية واجتماعية هائلة، يمكن وصفها بأنها نقلة نوعية لجهة تطوير البنى التحتية الاساسية، وعلى صعيد النقل البري والبحري والجوي، وعلى صعيد الضمانات وشبكات الامان الاجتماعية، كالصحة والتعليم والمواد الغذائية والمنافع العامة والاستقرار النقدي وما الى ذلك. كل ذلك كان مرئياً بوضوح للقاصي والداني.
حاول الرئيس بشار الاسد في بداية عهده القيام باصلاحات سياسية في النظام لكنه اصطدم بمعارضة قوية من جهات نافذة في السلطة وقوى الامر الواقع في الحزب والدولة، ومعظمهم من الحرس القديم الذين اعتادوا على نمط مختلف من الحكم. لكن الرئيس الاسد لم يتراجع عن مبدأ الاصلاح وضرورته، انما غيّر في الاولويات مقدماً افضلية التطوير الاقتصادي والاجتماعي على الاصلاح السياسي، فبدا للناظرين اليه من الخارج وكأنه امتداد للوضع السابق لمجيئه. ومع ذلك فقد نجح بشار الاسد في تمييز نفسه عن ادوات حكمه، وفي التميز برغبته الاصلاحية بصرف النظر عن اولوياتها، كما تميز في سياسته الخارجية التي خرج فيها عن السياسة التقليدية السابقة التي كانت سوريا فيها ظلاً لمصر، حيث ازاح «السيبة» العربية التقليدية والتاريخية القائمة على المثلث السوري المصري السعودي، واتجه نحو فضاء اقليمي اوسع يمتد من الهند الى لبنان وقطاع غزه وركيزته الاساسية الممانعة في وجه اسرائيل والغرب بالتحالف الاستراتيجي بين سوريا وايران والمقاومة اللبنانية والفلسطينية.
ان نجاح السياسة الخارجية السورية هذه اعطى ثماره سريعاً من حيث انه جعل سوريا الدولة العربية الفاهمة والمتفهمة، مما اظهر سياسات بعض الدول العربية والاوروبية ومعها الولايات المتحدة على انها سياسات فاشلة ومتخلفة. واذا توخينا الدقة والامانة فانه بالامكان القول ان انتصار المقاومة اللبنانية في حرب ٢٠٠٦ مع اسرائيل بدعم من سوريا وايران، هو الذي زرع بذرة الثورات العربية الداعية الى اسقاط الانظمة المتخاذلة الداعمة لاسرائيل. وهذا من الاسباب الجوهرية التي دعت الدول العربية والاوروبية الى وضع كل ثقلها لزعزعة الاستقرار السوري، لأن انهيار سوريا في نظرهم يوقف تدهور اوضاع تلك الدول العربية.
ولذلك عندما وقف الرئيس الاسد على مدرج جامعة دمشق فور توقف العمليات العسكرية في لبنان عام ٢٠٠٦ ليصف بعض الحكام العرب بأنهم «انصاف رجال» ساد شعورعام بأن هناك تحولات خطيرة قادمة، على المنطقة. تلك الوقفة هي في الواقع انطلاقة الربيع العربي، وما شاهده الناس خلال هذه السنة يمكن وصفه بأنه «الربيع العربي المضاد». هذا يعرفه السوريون جيداً. ولهذا فانهم يشعرون بأن ربيعهم مع الرئيس الاسد آت لا ريب فيه، وان هذا الربيع السوري المقبل سوف يوقف الربيع العربي على قدميه من جديد بعدما جرى اغتصابه او تشويهه من البداية. فالشعور السوري العام هو ان البرنامج الاصلاحي الجذري الجاري الآن في سوريا من خلال الحوار الوطني الداخلي، من كتابة دستور جديد للبلاد الى اقامة الحكم المحلي على اسس لا مركزية ديموقراطية، سوف يؤكد موقع سوريا كدولة قائدة في الفضاء العربي والاقليمي.
فالى جانب تصدي النظام السوري للمعارضة العنفية المدعومة من قوى عربية وخارجية، تستحق هذه المعارضة التي لطخت الاحتجاج الديموقراطي السوري بالدم كلمة شكر من النظام السوري، باعتبار ان ما فعلته كان مفيداً له من جميع الجوانب الاخلاقية والوطنية والسياسية على «قاعدة ربّ ضارة نافعة».
لعب الاعلام دوراً في اذكاء جذوة الانتفاضات العربية، وخصوصاً الاعلام الالكتروني العالمي على شبكة الانترنت، ومعه الفضائيات الخليجية او الخليجية التمويل في لبنان وغير لبنان. كان هذا في البداية، بحيث يمكن القول ان الثورات العربية الجارية مشرقاً ومغرباً وفق مخطط خارجي مبيت ما هي إلا «ثورات الكترونية افتراضية» على طريقة العاب الفيديو.
ومع ان الاعلام السوري الرسمي يعد من اكثر وسائل الاعلام تخلفاً في العالم، فاستحق بامتياز لقب «الاعلام الخشبي»، فان ما خدم سوريا في احباط تلك اللعبة على الصعيد الاعلامي هو ان إطالة أمد الاحداث الجارية في الاطراف السورية تحديداً كشف وهمية الاعلام العالمي وتلفيقاته. ففي الوقت الذي ألحق الاعلام السوري الخشبي ضرراً فادحاً بالنظام الذي ينتمي اليه بسبب عدم صدقيته، فان التلفيقات الاعلامية الفضائية والالكترونية المجهولة المصدر، او المنسوبة الى موقع وحيد هو «المرصد السوري لحقوق الانسان» الذي تموله وتديره اجهزة اجنبية بواجهة سورية، هي التي اسدت خدمات جلّى للنظام السوري بانكشاف تلفيقاتها امام الرأي العام السوري والعربي.
فقد تساءل كثيرون خارج سوريا ايضاً كيف لهذا «المرصد المتنبي» ان يعرف كل شاردة وواردة في سوريا بلحظتها دون ان يرف له جفن.
وما فضح تلك الوسائل الاعلامية امام الشعب السوري هو الهاتف العادي. فاذا سمع احدهم خبراً منسوباً الى «المرصد المتنبي» عن حادث في منطقة معينة، يتصل السامع بذويه في تلك المنطقة ليستفسر منهم فيقولون له ان شيئاً من ذلك لم يحدث على الاطلاق، فينشر ما سمعه من ذويه بين معارفه ويسري بين الناس «اعلام شفهي» كالنار في الهشيم مما افسد اللعبة الاعلامية الافتراضية بمجملها بحيث لم يعد له اي تأثير او صدقية الى اجل طويل في المستقبل.
وهذا ايضاً ينطبق على فضائية «الجزيرة» القطرية، وعلى الفضائيات السعودية، ناهيك بوسائل الاعلام التقليدية المكتوبة.
المفاجأة الكبيرة التي ظهرت في الاحداث السورية منذ انطلاقتها في منتصف شهر آذار/ مارس الماضي تمثلت في الموقف التركي المعادي للنظام السوري والذي قاده رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته احمد داوود اوغلو، مما يدل على ان محاولة اطاحة النظام السوري مخطط لها دولياً واقليمياً منذ زمن بعيد وليست بنت ساعتها، او وليدة احتجاجات ظرفية. ومما يدل على ذلك ان الاتراك اقاموا على حدودهم مع سوريا قبيل نشوب الاحداث مخيماً كبيراً لاستقبال لاجئين سوريين قبالة منطقة جسر الشغور، تمهيداً لاقامة منطقة محظورة داخل الاراضي السورية بحجة حماية المدنيين. والملفت في الامر الآن ان الحكومة التركية الحالية عجزت عن اقامة مخيم لايواء المشردين من الزلزال الذي ضرب منطقة «فان» التركية اخيراً فاضطرت الى قبول مساعدات دولية منها ساعدات
اسرائيلية كانت رفضتها في البداية.
ولما كانت تركيا هي اول المبادرين الى التدخل في سوريا واحتضان مجموعات من المعارضة الاسلامية الخارجية المعادية للنظام السوري، فانه من الطبيعي ان تكون اكبر الخاسرين من نجاح النظام في دمشق في احتواء الاحداث ومعالجتها داخلياً. ذلك ان نظام بشار الاسد اتخذ في السنوات الاخيرة سياسة انفتاح غير محدود على تركيا الاردوغانية، ففتح الحدود على مصراعيها امام التجارة الحرة بين البلدين، وهو امر كان لصالح الاتراك لأن الشركات والمنتوجات التركية الصناعية والثقافية غزت الاسواق السورية، مما ألحق ضرراً بالقطاعات الاقتصادية السورية الاقل قدرة على المنافسة، فأدى ذلك بطبيعة الحال الى تفاقم البطالة في سوق العمل السوري. وفي المجال الثقافي غزت المسلسلات التلفزيونية التركية العالم العربي كله انطلاقاً من سوريا، لأن دبلجة المسلسلات التركية كانت تتم في سوريا وباللهجة السورية، مع العلم ان الانتاج الثقافي السوري في هذا المجال هو انتاج ممتاز ورائج واكثر عمقاً بحيث ارتقى في الآونة الاخيرة الى مستويات عالية.
وعلى الرغم من هذا السيل التركي الطافح عبر سوريا، فانه لم يكن هناك اي تحفظ من نظام الاسد تجاه الاطلالة الاقتصادية والثقافية التركية على العالم العربي عبر البوابة السورية العريضة. لكن التدخل التركي الاخير في الشأن السوري بالشكل المبيت الذي ظهر فيه جعل السوريين يشتبهون بأن الحكم التركي الراهن يريد الاستيلاء على سوريا عبر المجموعات الهاربة من «الاخوان المسلمين» ليتخذ منها منطلقاً للسيطرة السياسية على العالم العربي، بما يشبه الحالة العثمانية التي اسقطتها الثورة العربية الكبرى في مطالع القرن العشرين، او خلافة اسلامية جديدة بثوب مدني. إسلام بربطة عنق بدلاً من الطربوش.
ان اخفاق السياسة التركية في سوريا قد ارتد سلباً على الحكم التركي الحالي، لكن التداعيات النهائية لهذا الاخفاق لم تظهر بعد. وما تشهده تركيا الآن من حراكات متعددة، عسكرية ومدنية، خصوصاً بعد قبول حكومة اردوغان اقامة درع صاروخي اميركي على اراضيها نتيجة فشلها في سوريا وما اطلقه ذلك من موجات احتجاجية شعبية، وبعد انفجار الوضع الكردي من جديد، والتداعيات المحتملة لهذا الانفجار على شمال العراق حيث استفز التدخل التركي الزعيم الكردي العراقي مسعود البارزاني الذي ادار وجهه نحو ايران بعد الانسحاب الاميركي من الاراضي العراقية، ما هو إلا رأس جبل الجليد المطل على تركيا من جراء انحيازها غير المحسوب ضد سوريا من طرف واحد، لأن السوريين لم يبادروا الاتراك الى الآن بأي موقف عدائي. تركيا انفجرت وسوريا بقيت صامدة. هذا هو الارتداد الذي تشهده تركيا الآن.
في المرحلة الاولى من الاحتجاجات الشعبية السورية ارتكب النظام في مدينة درعا اخطاء امنية غير مبررة، مما اربكه بعض الشيء واضطره الى عزل بعض المسؤولين والاداريين، لكن تلك المرحلة ايضاً فتحت اعين المسؤولين السوريين من وقت مبكر على حجم
التدخل الخارجي المنتظر، فعكف على وضع برنامج اصلاحي شامل حسب جدول زمني تقتضيه ترتيبات لازمة لوضع الصيغ المناسبة عبر حوار وطني بدأه الرئيس الاسد اولاً بلقاءات متواصلة مع اهالي درعا ثم مع فاعليات المناطق السورية الاخرى قبل عقد طاولة الحوار الوطني مع المعارضة الداخلية برعاية نائب الرئيس فاروق الشرع. وكان ملفتاً انه كلما اتخذ النظام خطوة اصلاحية، كانت المعارضة الخارجية المرتبطة بأجندة دولية واقليمية تواجه تلك الخطوات بالقول انها غير كافية، بدءاً من الغاء حالة الطوارئ ومحكمة امن الدولة، وانتهاء بالتعهد باصدار دستور جديد للبلاد يؤمن التعددية ويلغي وحدانية الحزب الحاكم بموجب المادة الثامنة من الدستور القديم.
وكان واضحاً ان وصف المعارضة الخارجية التي يقودها تنظيم «الاخوان المسلمين» لخطوات النظام بانها غير كافية، يهدف الى التصعيد والتأجيج بغية طمس المطالب الاصلاحية لطرح شعار اسقاط النظام عندما شعر هؤلاء المعارضون المدعومون من الخارج بجدية النظام في الحوار الوطني.
وقد تنبهت المعارضة الداخلية لهذا الخطر فامتنعت عن الحوار في خارج سوريا حتى عندما طرحه المسؤولون الروس على وفد للمعارضة الداخلية السورية زار موسكو. فقد عرض الروس عقد طاولة حوار مستديرة لجميع اطياف المعارضة السورية والنظام السوري في موسكو، لكن الوفد السوري رفض ذلك وقال للروس ان الحوار بين الاطراف السورية يجب ان يكون في داخل سوريا، لأن عقد طاولة الحوار خارج سوريا يعطي مبرراً للتدخل الخارجي، وهو امر لا تقبل به المعارضة الوطنية ولا يقبل به النظام. فالقاسم المشترك بين المعارضة الوطنية وبين النظام هو رفض التدخل الخارجي في الشأن السوري الداخلي. وكان في عداد الوفد المذكور للمعارضة الاصلاحية كاهن ماروني هو الاب طوني دورة الذي قدم مطالعة وافية عن الوضع الداخلي في البلاد وعن المطالب الاصلاحية للمعارضة الوطنية، بعيداً عن اقحام الافكار الدينية والتوجهات الطائفية لأي فريق كان، والتركيز على المقتضيات الديموقراطية للمجتمع المدني العلماني.
فالحوار حسب هذا التصور لا يكتسب صفته الحوارية الحقيقية الا اذا قام في داخل البلاد، فاذا انتقل الى الخارج يأخذ صفة التفاوض، والتفاوض بطبيعة الحال يقتضي المساومة وهي ايضاً مرفوضة شأن التدخل الخارجي. والدليل على ذلك انه بعد رعاية الحكومة التركية لحوارات ومؤتمرات المعارضة الخارجية في انطاليا واسطنبول كواجهة لتنظيم «الاخوان المسلمين» جاء وزير الخارجية التركي الى دمشق، يعرض على الرئيس الاسد اشراك «الاخوان المسلمين» في الحكومة بنسبة ٥٠ ٪ من اعضائها، ثم نزل الى
نسبة ٣٠ ٪، لكن الاسد رفض هذه المساومة باعتبار ان سوريا لا تقبل بحكم الاحزاب الدينية، وهو امر اتفق عليه من المراحل الحوارية الاولية مع المعارضة الداخلية، مما دفع بالمعارضة الاخوانية في الخارج الى اتهام المعارضة الوطنية الداخلية بأنها من صنع
النظام وتشكل واجهة له.
وفي رأي بعض المعارضين السوريين غير الاخوانيين في الخارج ان تنظيم «الاخوان المسلمين» دعسة دسة ناقصة عندما شكل المجلس الوطني الانتقالي برئاسة برهان غليون في باريس، اولاً لأنه كشف ان نواياه الحقيقية كانت تنفيذ سيناريو في سوريا شبيه بالسيناريو الليبي، فيكون مجلس غليون نسخة عن مجلس مصطفى عبدالجليل واجهة يختفي خلفها الاسلاميون المدعومون من الخارج. ويرى هؤلاء المعارضون ثانياً ان هذه الدعسة الناقصة اظهرت للمعارضين غير الاسلاميين ان «الاخوان المسلمين» يضحكون عليهم ويستخدمونهم كأدوات لا تحل ولا تربط وانما يجري استخدامهم كوسيلة للتخفي وكجسر للعبور ليس إلا.
فليس عجيباً ان احداً لم يعترف بالمجلس الانتقالي الغليوني سوى مجلس مصطفى عبدالجليل في بنغازي!
وجه السفير السوري في لندن الدكتور سامي الخيمي رسالة الى افراد الجالية السورية في المملكة المتحدة، اوضح فيها بعض النقاط التي وردت في تقارير اعلامية حول اجتماعه مع السير جيفري آدامز المدير السياسي في وزارة الخارجية، وليس مع وزير الخارجية بحسب ما ذكرت بعض من تلك التقارير. وقد استهل الدكتور الخيمي رسالته بالقول:
«كان الاجتماع ودياً، وناقشنا فيه مسألتين:
اولاً: قدم لي السير جيفري آدامز اعتذاراً رسمياً من وزارة الخارجية بسبب الهجوم الذي تعرضت له السفارة من قبل افراد غير مسؤولين يوم السبت ١٠ تشرين الاول/ اكتوبر ٢٠١١، وعن التأخر الذي حصل في وصول الشرطة مما ادى الى الحاق الاذى بالرواق الخارجي للسفارة والشرفة في الطابق الاول، وقدم لي تأكيدات بعدم حدوث اعمال تخريب مثل هذه مرة اخرى، كما اشار الى ان وزارة الخارجية ستقوم بدفع تعويض مادي يتوافق مع مسؤوليات الدولة المستضيفة تجاه البعثات الديبلوماسية الاجنبية. فشكرت السير جيفري آدامز وابلغته انني وافراد بعثتي الديبلوماسية كنا عرضة لتهديدات بالتعرض لعنف جسدي، فوعد بالنظر في مسألة زيادة مستوى الحماية المقدمة للسفارة.
ثانياً: ابلغني السير جيفري آدامز عن تلقي الشرطة شكاوى من مواطنين سوريين في المملكة المتحدة يزعمون تعرضهم للمضايقة والتهديد من قبل موظفين في سفارتي، وانه في حال تم اثبات هذه الادعاءات ستقوم المملكة المتحدة باتخاذ اجراءات مناسبة. نفيت هذه الاتهامات الباطلة، واشرت الى ان السفارة طالما سعت لتقديم الخدمات للجالية السورية بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، وانها احترمت على الدوام الاعراف الديبلوماسية الناظمة لحضورها في المملكة المتحدة. كما شرحت ايضاً الاسباب المحتملة التي تقف وراء مثل هذه الادعاءات، وحثثته على تزويدي بأي دليل يثبت هذه الشكاوى حتى اقوم باتخاذ الاجراءات المناسبة بحق اي شخص يفترض انه مسؤول. فقال ان هؤلاء الاشخاص يخفون شكواهم بسبب قلقهم على اسرهم في سوريا. قلت له في هذه الحالة ارجو ان
تطلب من هؤلاء الافراد ان يأتوا لزيارتي في منزلي لعقد لقاء خاص، وغير معلن، ان كانوا خائفين من زيارة السفارة. ان الجالية تعرفني جيداً وهم متأكدون من انني لن اعرض اي شخص منهم للخطر. شكر لي السير جيفري آدامز
هذه التأكيدات».
ويضيف السفير الخيمي:
«هذا ما حدث بالضبط في هذا الاجتماع، وأجد ان من الضروري اطلاعكم على هذه التفاصيل بسبب ظهور بعض التقارير المضللة في وسائل الاعلام، وأترك لكم تكوين رأيكم الخاص حول هذه المسألة. وانا اعلم انه لا زال لدى معظمكم الايمان بأن سفارتكم تعمل فعلاً على خدمة كل السوريين في المملكة المتحدة، واود ان اؤكد على ان ابواب السفارة مفتوحة لأي شخص منكم، وانها لن تتسبب في اي ضرر لأي مواطن سوري بغض النظر عن انتماءاته السياسية. الامانة واحدة من فضائلكم، واحثكم على الاقرار بحقيقة ان السفارة قد حاولت خلال السنوات السبع الماضية ان توحد الجالية، وان تلبي حاجاتكم ومطالبكم، وبالتالي عزل هؤلاء الذين يشنون حملة ضد «بيتكم» السوري في لندن».
وختم الدكتور الخيمي رسالته بالقول:
«حماكم الله ورعاكم جميعاً، وعاشت سوريا الحبيبة».
الديبلوماسي
العدد ١٣٥
تشرين الثاني / نوفمبر ٢٠١١